سيتحقق الحلم في وطني…حدثتني نفسي المطمئنّة!

 

تتقلّص بي فرص العمر باتجاه المستقبل وأنا أرى طفلي وصال 7 سنوات ومحمد أمين 5 سنوات تقريبا، يسابقون ظلالهم التي بدأت تنمو تحت ضوء القمر. وأنا أتابع سير التحضير لانتخبات 2014.

هذه الليلة شديدة الحرارة وربما جعلتني أتخيّل الهذيان حلما. فهل من حسن الحظ ان الشمس لم تكن مشرقة ليلا أم انني وأطفال نحتاج الى شمس، للنور والحقيقة وضياء المستقبل. لقد مللنا الظلمة والظلم.
مضت 4 سنوات تقريبا منذ خضبت ذلك الاصبع الذي سيبقى عليّ شاهدا. يومها دفعني الفرح بين طوابير المنتظرين. التهمتنا حرارة الشمس ومع ذلك ناضلنا والتزمنا بحرارة الانتظار من أجل الحصول على حقوقنا. أتممت عملي الصحفي في تغطية مكاتب الانتخباب وملاحظة سير العمليّة وتسجيل بعض النقائص والفوارق عبر الاذاعة وسجل بالكاميرا، ثم توجهت لأتم واجبي الوطني، توجهت الى مكتب أرتاح فيه حاضرا وارتاح عبره مستقبلا.

ليتنا نرتاح ولكن هيهات. هكذا تضطرم في نفسي الهواجس.
أتذكر ذلك اليوم جيدا. فقد كان يوم أحد. يوم فيه رسمت على شفاه المتحمسين بسمة الظفر وعلامات النصر وتهاليل الفرج.

سيتحقق الحلم نعم إنه يتحقق. هكذا تحدّثني نفسي الطمئنّة.

غشيت جسدي الذي بلله العرق، نشوة وقشعريرة الفخر. بكينا فرحة وذرفنا دموع الرجاء والتوسل الى الله. “يا ربّي احم بلدنا وسائر بلاد المسلمين” رغم انها دعوة تعلمتها من أئمة كانوا يخطبون في مساجد قبل 14 جانفي….على الأقل هناك ما يستحق الذكريات.
عدمت مساء الى المنزل. يومها كان ابني محمد أمين في عامه الأوّل. يومها دفعه الفضول الى لعق اصبعي المخضبة في حبر الانتخاب ولم يكن يفهم، وكذلك كنت مثله. لكن وصال التي تعرف الحنّاء، اعتبرتها حناء وضحكت. أفعمت صدري بالرجاء وأذكر انني نمت متعبا بسبب التعب والارتياح.
مرّت الأيّام والأشهر والسنون ومازال الحلم لم يتحقق. كنت أظن ان سحر الثورة سريع عجيب من عجائب قدرة الله وأن هناك ارادة ثورة وعزيمة ثورة وتسامح ثورة ومحبة ثورة…

كنت احلم نعم. ربما انا احلم. وقد اكون أهذي لكنني يقظ وافكر في المستقبل المزعج.

طالت فترة الانتقال ولم ننتقل. لو انني ملكت زمام نفسي وانتقلت الى الضفة الاخرى لكان خيا لي. فقد عرض علي الفسر وترك البلد ولكنني تمسّك بالوطن وترابه ومائه وملحه. هنا اهلي وميلادي هنا اناس اعرفهم رغم انني متعب بينهم.

بعد اربع سنوات من الحديث عن الانتقال ووعود الانتقال والصراع والتفقير والترهيب والتضييق والسحن والتعتيم والتضليل والتهميش والبطالة…عادت الانتخابات. وعادت التجاذبات.

أحدث نفسي بأن حمى التنافس والتناحر لن تنتهي. يقينا لن ينتهي هذا. وأقول هل كل السياسيين وطنيون ام كلهم مغفلون؟

أعود:
جاءت الانتخابات. سوف يعود المترشحون لملئ الساحات بالخطابات ويصموا آذاننا بالوعود الكاذبة. سوف يتهافتون ويتزاحمون، ليس من أجل اسعادنا وانما لابعادنا وليس من اجل البناء وانما ليصعدوا على اكتافنا. عادت الوعود التي عهدناها.

لحظة رجاء: هذه عينة من الدعايات: افتح الرابط رجاء وانتبه: https://www.youtube.com/watch?v=bqm1sj0HSeI

وربما لا يخجل من نفسه ذلك البرلماني الذي تم اختياره خطأ، أن أجده في طريقي فيبرر ويعتذر وربما يعتلي بعض المنصات ويكذب ويقول سنفعل لكم…

أسمع طنينا في أذني يقول: سوف نفعل بكم…يا ربي سلّم

أشعر كثيرا أن بعض السياسيين الأغبياء لا يتفطنون الى غبائهم. فعندما اطلقوا وعودهم في أول خطاب لهم، كانت السيارة تشتغل بالفحم الحجري. وكانت التلفزة بالأبيض والأسود. وكانت آلة التصوير التي جربتها تحتاج الى شريط فضي يحتاج الى تحميض. وكانت مكبرات الصوت لا تبلغ الصوت.

أغبياءأولئك السياسيون الذين لا يعرفون مطالب مواطنين ولا يتتبعون احلامهم.

large_news_ANC-3

نفس أولئك يعودون بثوب ابيض كأن الذئب لم يأكل ذات الرداء الأحمر، تونس.

نفسهم يعاودون الخطاب. يزعمون انهم سيدخلوننا الجنة. يزعمون أنهم سيزرعون الاسفلت وردا.

مهلا: يعجبني الشوك في الورد لأحذر منه واتمهل تقبيله وليس لامتنع عن قطفه.

لم يتطور رجال السياسة ولا رجال الدين. لا فسلفة هيغل ولا حتى نظرية داروين تؤثر فيهم. لو ان الديناصور، الكائن الخرافي مازال بيننا لقرّر أن يستقيل من التاريخ ولكن ديناصورات السياسة لا تكتفي. كفى !

عودت إبني وصال ومحمد امين على ان كل ما يعرض في التلفزة هو تمثيل. نعم تمثيل. وكذلك هم رجال السياسة يفعلون انهم لا يمثلوننا وانما يمثلون علينا…وكذلك فعلون بعد الانتخاباب.

عادوا بالوعود.

القيروان تاريخ مجد وحضارة ومنارة شامخة وعاصمة اسلامية وهي زاخرة بالتراث الانساني القديم منذ العصر البدائي والروماني والبربري والإسلامي. وهي في موقع استراتيجي. وهي تتوفر على مقومات طبيعية وبشرية ضخمة. وهي مهمشة منذ الاستقلال وفي ظل 5 حكومات بعد الثورة…وسوف و سو وس…كلها تسويف ووعود وتزييف ونكث للعهود.

تشير الساعة الى اليقظة. نعم حان وقت العمل.

يأتي محمد امين ليستلقي بجانبي وتداعب وصال بشعرها الحريري وجهي الذي كساه العرق.

من حسن الحظ انني عندما فتحت الحنفيّة وجدت ماء.

بعد الفطور الخفيف الخالي من القهوة، تفقدت آلة التصوير وسحبت بطاقة الذاكرة من الحاسوب الذي يرافقني منذ 8 سنوات. وضعت حقيبة الظهر. نزعت الهاتف من الشاحن. بحثت عن المفاتيح بين كدس الاوراق. لبست الحذاء بعد تلميعه. تفقدت الاطفال وأمهما.

ركبت دراجتي التي أخفيها عن اللصوص في مستودع أصهاري بعيدا عن منزلي. ملأ الهواء رئتي ودار بجسمي.

الحمد لله نسيت ما كنت أهذي في تلك الليلة الحارة. لقاء حار وشجين مع مشاغل أبناء بلدي القيروان نبض تونس هذا هو عملي اليومي.

كنت قررت الترشح لدخول قصر قرطاج. كانت مجرد مزحة انا لا أتحمّل مسؤولية اعرف فشلي فيها مسبقا.