في القيروان: الزيتون يموت واقفا بعد قرون الصمود

مدونة تكروان/اربل بلوغ عربية/ كتب ناجح الزغدودي
تحتل معتمدية نصر الله بولاية القيروان مرتبة متقدمة في انتاج زيتون الزيت ومن حيث عدد الأصول وغابة الزياتين المنتجة. حيث يوجد بالجهة 776 ألف شجرة زيتون لكن منها فقط 93 ألف عود زيتون منتجة منها 26 ألف مطري و67 آلف مروي وتقدر الصّابة هذا العام بجهة نصر الله ب6300 طن منها فقط 550 طن متأتية من المساحات البعلية.
يعود ضعف الانتاج هذا الموسم الى ضعف منسوب الأمطار الذي اثر بدوره على الانتاج الجهوي بجهة القيروان.
قدرت مندوبية التنمية الفلاحية بالقيروان صابة الزيتون للموسم الحالي ب 50 ألف طن وهو ما يعادل 10.5 ألف طن من زيت الزيتون. وهو ما يعني تسجيل تراجع ب67 بالمائة مقارنة بالموسم الفارط الذي بلغت فيه الصابة 152 ألف طن من الزيتون.
من مظاهر هذا التراجع في انتاج زيتون الزيت ما تعرضت له غابات الزيتون ب”حدائق نصرالله” التي تمسح حوالي 200 هكتار ويوجد بها 10 آلاف شجرة زيتون. وكان يفترض أن تساهم في الانتاج ولو بنسبة قليلة لكن هذا الموسم لم تثمر الاشجار ولو كميات قليل رغم كونها مدمجة ضمن المساحات المروية. وذلك بسبب مشاكل الري وانقطاع مياه العين التي كانت جارية منحدرة من جبل الشراحيل.
من ينقذ غابة الزياتين

جفت غابة الزياتين بسبب غياب الماء واصفرت الأوراق وتهاوت الاجذاع وتم قطع الاشجار الميتة وتحويلها الى فحم واخشاب. وقد أكد عدد من الفلاحين  أن هذه الحالة بدأت تدريجيا منذ سنة 2008 منذ توقفت العين عن التدفق. وكان من المنتظر التدخل من قبل السلط الجهوية ومندوبية الفلاحة لإيجاد حلول عبر حفر بئر عميقة لري غابة الزيتون لكن تعطل المشروع الذي انطلق منذ سنة 2012.
وقال مكرم المرزوقي (فلاح شاب) انه يشعر بالحزب وهو يرى غابة الزيتون ومنها الزيتون الروماني وزيتون غرسه الاجداد وهو يموت. واشار الى أن الزياتين كانت غزيرة الانتاج بشكل قياسي منها شجرة زيتون كانت تنتج حوالي طن من الزيتون لكنها ماتت وذوت. واكد ان غابة الزيتون كان بامكانها تقديم ما قيمته 3 مليون دينار علاوة على توفير مواطن شغل لمئات الشبان في الجني والقص.
زيتونة
مطالب بتوفير الماء
اكد الفلاح يوسف عنان (مسن) ان الزيتون يحتاج الى الماء ليعود الى الحياة وتعود معه حياة مئات الفلاحين بالجهة. وطالب الجهات المعنية بالتدخل العاجل لتزويد غابة الزياتين بالماء وربطها بالمنطقة السقوية. واشار الى ان معتمدية نصر الله توجد بها موارد مائية وسد من اضخم السدود ولكن لا ينتفع بها اهال يالجهة.
كما طالب علي مرزوقي بتوفير الماء من أجل اعادة الروح للحدائق التي كانت منطقة سقوية تزرع بها الخضر وشتى انواع الغلال. مشيرا الى ان المواشي لم تعد تجد العشب للرعي بسبب الجفاف.
مات الزيتون واقفا في نصر الله وسط تعطل مشروع تزويده بمياه الري. وفي الوقت الذي تحتاج فيه الجهة الى تطوير الانتاج وتوفير مواطن الشغل للشبان العاطلين، يتم اهدار طاقة فلاحية وتشغيلية. فمن سيتدخل لانقاذ ما تبقى من الزياتين.

القهوة العربي…وراس الشادلية…وجه قهوتي مشرق

* خواطر ناجح الزغدودي

لا أعرف كم واحدة سكبت في فنجاني وأصبت توقعاتي للشكل الذي ستتخذه. ولكني في كل مرة أسكب القهوة التي أعددتها سواء بالصباح أو بالمساء، أتطلع الى رسمها وخطوها. أفعل ذلك تأملا واشتياقا مثل قارئ فنجان. إنما يقرأ العراف قاعها يائسا بحثا في بقايا أما أنا فأبحث في تفاؤل طلعها في سر صرتها ونكهة ماء الزهر الذي خالطها.

“القهوة بنت الوقت تشرب على مهل” وربما هي عائلة الوقت وخليلة كل رفيق لها.

في كل مرة أعد القهوة لأعهد اليها مهمة ايقاظ الحواس قبل الانطلاق في رحلة العمل والبحث عن الامل، صباحا أو لتكون أنيسة ومسلية بالليل وان أذهبت غفو الجفون، تتراءى الرسوم والخيال ونتوهم عطر الزمن وعرق المجتهد. وأمسك نفسي عن نشر صورة لتلك المؤنسة البهية مثلما يفعل العشاق مع صورهم في الخلوات والرحلات وهمس الحنين.

مع توافر شبكات التواصل الاجتماعي وتهافت المبحرين على مواقعها، تحولت القهوة الى ايقونة ثابتة وفقرة صباحية متجددة على الصفحات. بها تبدأ تحية الصباح الأولى تغازل خيوط الشمس المنسدلة وتختم بها الأمسيات المهفهة النسمات.

بين القهوة الواقعية المنشورة والصور الافتراضية لقهوة مشتهاة، يصير تنافس وتفاخر وتسابق حتى يكاد عشاقها ينظمون لها مسابقة أجمل قهوة او ألذ مؤنسة أو ازكى ملهمة او أعطر خليلة أو أشهى حلم. يا للقهوة وسحرها.

اسمها عتيق ومنشأها ولكن اسمها متجدد وصفاتها. يتحدث عنها الطبيب في زعم فوائد ونفي مضار وتطالعنا شركات الاشهار تتبارى حول المعنى والشعار. صحيح نكهة القهوة تختلف وريح القهوة يختلف وشكل وجه القهوة يختلف وصرتها تختلف ومكوناتها تختلف. ولكن في الاخير هي قهوة واحدة الا من اضاف لسمرتها النقية الاصيلة بياضا لحليب من زمن الطفولة.

لعل القهوة هي التي منعت الحروب ووحدت الشعوب دون ان نعلم نحن البشر عن الحقيقة شيئا وندعي الكثير. لا احد يعلم يقينا من اول من شرب القهوة. والى اليوم بعضنا لا يعرف معاني القهوة.

صمتا، على موجات بعض الاذاعات اسمع قهوة بمسميات لبرامج وفقرات. بها يفتتح الحوار وتلقى تحية الصباح. “هل شربت قهوتك؟” لا شك ان هناك من يسألك يوميا ويحضرها لك من تعود ان يلهمك ويسعفك حتى وان كنت لا تعتني براحتيه وهي تضع القهوة وتضيف السكر. ربما لا تريد سكرا في القهوة وهذا ليس مشكلا…وحدها القهوة قهوة بلا اضافات رشيقة خفيفة مريئة وهي مريرة.

“أين قهوتي”، كنت أطالعها على صفحة الفيسبوك، للباي معز الصحفي الذي يسأل عن قهوته الصباحية. لم اكن اعرفه وعندما عرفت قهوته عرفته. صديقنا المغربي الذي قال ذات مرّة “أنه يحبنا” وهو يلقي لنا الشروح ويضيف لنا المعاني لنتقى الحدث والحديث، قرّر ان يضيف عبارة “سنشوف” لفصيح الكلام ولكنه سرق من الباي معز عبارته “أين قهوتي”. يزين بها صفحته وأنا أتخيل لهجته المغربية الاصيلة وهو ينطق عبارة “قهوتي” من يخبرنا حقيقة، هل القهوة المغربيّة ألذ أم عبارة القهوة بلسان مغربي.

التقطت صورا لقهوتي ونشرت صورا لقهوتي. وقتها وددت لو اني أهدي لمن معي في الصفحة الافتراضية قهوة قهوة…ولكني في الحقيقة شاركتهم روح القهوة وأمل القهوة وسر في تلك الصرر.

للقهوة فنجان مخصوص نحتفظ به…فقط للقهوة. ننقله نحمله معنا يرافقنا بحثا عن قهوة يملؤنا قبل أن نملأه قهوة.

هههه، ها انا أضحك نعم. أذكر أول مرة تعلمت عبارة “دلق القهوة فأل خير”…ههه لا اذكر من قالها ولكنها عبارة خرافية متداولة. لا أريد أن أكون متصوفا في عشقي للقهوة فأبالغ بالقول أن القهوة متفقة مع القدر لتهدي خيرا وتنشر بشرا في ارجاء المكان لمن دلقت له قهوته. ههه الأقرب أنها مواساة يا صديقي الذي يقولها دعك من ذلك. هل تعتقد ان خسران قهوة فيه فأل خير. طير من امامي لا أؤمن بالتطير.

ههههههه تذكرت أمرا آخر غريبا. المعذرة عن الضحكات في حضرة القهوة التي تركتها ترتاح من رحلة النار.

عندما سمعت خالتي تقسم “وراس ها الشادليّة”، وهي تتحدث مع زوجة قريب زوجها، لم أدرك معنى هذا القسم. تعلمنا ان نقسم “والله”، فما حكياة الشاذلية. يومها دفنت حيرتي وأجلت الاستفسار. تحينت فرصة لقاء بيني وبين خالتي تؤنسنا قهوة فسألتها ما حكاية”راس الشادلية” لإخبرتني ضاحكة…هي القهوة. كم هي مرحة خالتي رغم الألم ورحلة الصبر في العاصمة. كنت اشتقال الى العيش في العاصمة ولكني لم اعد افعل. صحيح فيها قهوة لذيذة ولكن القهوة، بكل احترام، لا تصنع الربيع في العاصمة.

“قهوة عربي”

للقهوة جنسيات مختلفة. آخر جنسية سمعتها هي “قهوة أمريكيّة” استضافتني لشربها صديقة قيروانية نحتت لها اسما في العاصمة وفرضت جهدها وحصلت على لقب الذهب. من حسن حظي أنني تعرفت سابقا الى القهوة الامريكيّة من بين انواع القهوة الكثيرة…وألذها قهوة الشوكلاطة. هنيئا للبونديين.

نحن العرب تميزنا القهوة العربي. ربما لأنها يمنية أصيلة وربما لأننا نطبخها نحن العرب بأيدينا. ولأهل الشرق عادات في شرب القهوة منها الطريف ومنها المثير.

في مدينتي القيروان، تمتلئ الشوارع برائحة القهوة حتى تكاد تتعثر من ريحها أو تصطدم بها على كل رصيف. لا تحلو القهوة لبعضنا سوى على الرصيف بمشاهد أنثوية عابرة هي أقرب للتلصص والتحرش بذريعة القهوة.

للأنثى حظها من القهوة، ان نفرها صخب المقاهي الشعبية فتختلي بها في مكان خفي لا اعلم لماذا يسمى قاعة شاي ولا يسمى قاعة قهوة كأن القهوة لا تصلح للأنس والصداقة وخلوة العشاق. ربما هي مصادفة التسميات المستوردة.

في الحقيقة لا ألوم ذلك الموظف الذي غادر مكتبه لجلب قهوة، فهل يحلو العمل ويروق بلا قهوة؟ هل يمكن لنا ان نتحاور ونتخاطب دون خصام، بلا قهوة؟

ههههه لا تسألني عن حكاية “نعطيك قهوتك” أو “اعطيني قهوتي” لأنها قهوة باهظة الثمن رائحتها لا تروق لي وفيها شكوك وتشوبها الشوائب وقد تؤدي الى الحرمان من القهوة الى الأبد.

هل يوجد في الجنة قهوة؟ لم اصادف العبارة في ما تلوت من قرآن كريم. ولكني اذكر أنني كنت اخالني في الجنة وانا في منزل حبيبتي ارشف فنجان القهوة التي صاغتها يمناها وأمني مع كل رشفة، رشفة برشفة ومع رشقة النظرات يمتشق خيالي أجمل حلله…ويذهب بي رويدا مع السنين لأجد رفيقة دربي نفسها قهوة ادمان ومن حولنا وصال ومحمد أمين لا يشربان سوى قهوة الصغار ويتركون لي قهوة الكبار.

كبرت مع تلك القهوة، أقصد مع تلك المرأة التي أحببت منذ الصبى. صغتها أملا رافقني كبر معي لم تتغير نكهتها، هي ذاتها أصالتها. ألم أقل لكم ان القهوة هي بنت العشق، فيها الأمل والصرة تهدينا من سمرتها بياض الحلم وشغف الحياة.

بمرارة القهوة الخالية من سكر الشغل، للبطال قصة مخالفة مع القهوة والمقهى. القهوة عنده قاتلة الوقت تصد قاتلي الاحلام تخفف الوجع وتسكن الألم وتؤنس الوحدة وتشرب مع الصبر رشفة رشفة.

مازلت مع قهوتي…

في القيروان عائلة “شهيد” من الأمن تحيي ذكرى عيد الشهداء بمفردها “حزينة”

 

 * ريبورتاج ناجح الزغدودي

في منزل نيثر عيادي، عون الأمن الشاب (24 عاما) الذي قتل إثر إطلاق نار على منزل وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو قبل عام،  لم تكن ذكرى الشهداء (عيد وطني يوم 9 أفريل/نيسان 2015)، سوى مناسبة حزينة أخرى. فالعائلة لم تتلق دعوة من أي مسؤول جهوي ولا وطني لحضور موكب رسمي بالمناسبة لرد الاعتبار لابنها “شهيد” وتكريمها كما جرت العادة، كما أنه لم يزرها أي مسؤول. فتضاعف حزنها وتدفقت دموعها من جديد. 

 

على جانب ضريح ابنه الّذي أحاطه بأكاليل من الزهور البرية ووضع في واجهته صورته بحجم كبير، جلس الوالد جمعة العيّادي، وهو رجل خمسيني، يحادث صورة ابنه كما لو أن صاحبها حي يرزق والحال أنه وري الثرى منذ شهر ماي 2014.

لم يشارك الأب جمعة في إحياء ذكرى الشهداء سوى الابن الأكبر محمّد (26 سنة)، وحيدان في مقبرة معتمدية نصر الله جنوب محافظة القيروان تطل على جبل الشراحيل. فقد انتظرا في المقبرة طويلا وصول شخصيّات سياسيّة وعدت بتكريم “الشهيد” في يوم عيد الشهداء ولكنهم نكثوا ولم يصلوا ولا يعرف سبب تغيبهم. ولم تكن هي المرّة الاولى التي يغيب فيها المسؤولون عن العائلة ويغفلون الاتصال بها.

 

بعد فراغه من زيارة ضريح ابنه، وهي زيارة يوميّة لم يملّ منها، يعود الوالد جمعة مثقل الخطى الى منزل العائلة، تتلقفه سيارة نقل عمومي تختصر مسافة 7 كيلومترات غير مهتم بحالة الطريق السيئة.

 

وأفاد السيد جمعة أنه منذ موكب دفن ابنه في 27 ماي/أيار2015، الذي حضره كاتب دولة في حكومة المهدي جمعة ووالي القيروان، لم يعد يتصل بالعائلة أي مسؤول منهم بمن في ذلك مسؤولي وزارة الداخليّة وممثلي نقابات الأمن وزملاء نيثر في سلك الأمن ولا أصدقاؤه المقربون. جميعهم نسوا ذلك الشاب الذي كان يحب الجميع ولكن العائلة لم تنس ولم تجف عبراتها.

 

بكاء في يوم عيد

 

الوطنية وخذلان الوطن

الوطنية وخذلان الوطن

تغطي الأعلام (التّونسيّة) جدران الغرف الضيقة بمنزل العائلة الريفي. وبالأخص العلم الضخم الذي سّجي فيه ابنها يوم دفنه. فبدت العائلة كأنها تحي عيد “الشهيد” كل يوم بمفردها.

 

بعدا وفاته، حولت العائلة غرفة “نيثر” الى مزار أو قاعة عرض بها الأعلام والصور التذكاريّة ومعلقات الشكر والشهائد المهنية والشهائد الدراسيّة التي تحصل عليها. فينثرها الوالد ويعدد خصال كأنه يؤبنه من جديد.

 

تؤكد صابرة عيّادي، والدة “نيثر” أنها لم تكفكف دموعها منذ فارقته. فهناك أشياء كثيرة تجعلها تبكي في اليوم أكثر من مرّة خاصة وهي تنتظره على مائدة الطعام ليلا وتظنه سيأتي. ومرّة وهي تشاهد جنازات الامنيين والعسكريين وآخرها موكب تأبين 5 جنود قتلوا (استشهدوا) في أحداث جبل المغيلة على يد مجموعة مسلحة (ارهابيّة). وتبكي مرّة وهي تتذكر وعود المسؤولين برد الاعتبار لابنها الذي قدّم روحه فداء للوطن. وتبكي مرّة وهي تستمع الى اجابة المحامي المتعهد بمتابعة القضية التي رفعتها، ينتظر منها مزيدا من الانتظار.

IMG_6500

لكن اكثر ما آلم العائلة هي المراسلة التي تلقتها من دائرة المحاسبات التابعة للقباضة الماليّة تطالب “شهيد الوطن نيثر عيادي بارجاع اموال عمومية” حسب نص المراسلة، وتتمثل في مرتب شهر جوان الذي لم يسمح له الارهابيون بانجازه مثل ال25 شهرا من العمل التي انجزها قبل مقتله وهو يحرس منزل الوزير.

 

قصة منزل الوزير

 

تحتفظ العائلة بتفاصيل ومعطيات تعتبرها “حقائق”  قال الوالد جمعة انه كشفها من خلال بحثه الميداني وعن طريق شهادات لمواطنين حاورهم وزملاء ابنه. منها ان ابنه نيثر وهو عون شرطة، يعمل عادة ضمن منطقة الشرطة بالقصرين. وصادف يومها تغيب أحد الاعوان المكلفين بحراسة منزل وزير الداخلية لطفي بن جدو بالجهة، فكلّف نيثر بتعويضه ليلتها. وحسب السيد جمعة فان ابنه لم يكن يرفض أيّة اوامر في العمل ويجتهد في عمله وله سجل حافل بالعمليات التي نال من اجلها شهائد تقدير منها القبض على مجرمين ومتهمين بالإرهاب.

 

وأفاد الوالد ان ابنه أسرّ للعائلة قبل مقتله بكونه مراقب من قبل “سلفي” يتبعه في أكثر من مكان. كما أسّر له أنه تمكن من ايقاف أحد أشقاء مراد الغرسلي أحد أكبر المطلوبين من قبل وزارة الداخليّة في قضية الهجوم على منزل الوزير.

 

كبش فداء وأمن موازي

IMG_6496

لم تكن الوالدة صابرة تدرك بشكل جدّي، عندما قال لها مازحا “سوف لن أعود”، سيكون آخر ما يرسخ في ذهنها. ولم تكن تعلم وهي تدعو له وتدعوه الى الانتباه واليقظة، أنها شعرت باقتراب أجله رغم طمأنة أسرته أنه يحرس منزل وزير الداخليّة على أساس أنه مؤمن بشكل جيد ولا يجسر أحد على مهاجمته ثم حصل العكس. وهذا جعل العائلة تتساءل كيف أنه لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه المسلحين رغم قرب منطقة الشرطة من مكان الهجوم وتفطن الأعوان لكنهم لم تطلقوا النار. وهذا زاد في حزنها. وتريد العائلة كشف الحقيقة قبل ذكرى استشهاد ابنها في 27 ماي/أيار 2015.

 

يذكر محمد الشقيق الأكبر، كيف أن نيثر كان وهو يشاهد موكب جنازات زملائه ويحضرها، يتمنى ان يموت في المواجهة وبالرصاص وأن يقام لو موكب جنازة مثلهم.

 

خففت زيارة الوالد جمعة الى البقاع المقدسة (السعودية) للحج، من حزنه. وقال ان مدة الشهر التي قضاها في مناسك الحج جعلته ينسى بعض الشيء، لكنه بمجرد رجوعه، عادت اليه همومه وعاد يتصل برقم هاتف ابنه الذي لم يعثروا عليه عند استشهاده كما لم يعثروا على حافظة أوراقه وحقائق أخرى قال الوالد جمعة إن يكشفها فسيكون لها خطر عليه، ومن بينها روايات عن “الأمن الموازي” وهي عبارة توصف بها الاختراقات صلب وزارة الداخليّة، وتحدث عن تعرض ابنه الى “مكيدة” جعلته بمثابة كبش فداء وهذا استباق للتحقيق لقضائي. ويطالب بشدّة بكشف الحقائق.

 

وعود لا تتحقق

 

زيارة الوالد جمعة الى لأداء مناسك الحج، كانت بمثابة “هدية” من رئاسة الجمهورية قدمها الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي لعدد من أفراد أسر أمنيين قتلوا في أحداث ارهابيّة. وبخلاف هذه الهبة، لم تحصل العائلة بعد على ما وعدت به من جراية تقاعد (معاش) وتأمين صحّي ومسكن اجتماعي للعائلة ولا تخليد لذكرى ابنها الشهيد مثل التكريم الذي حصل عليه عون أمن سقراط الشارني من محافظة الكاف، قتل في مواجهات مع مسلّحين.  ومن بين امتيازاته تعيين شقيقة له معتمدة في حكومة المهدي جمعة التي انتهت في فيفري/شباط 2015 ثم كاتبة دولة مكلفة بملف الشهداء في حكومة الحبيب الصيد الى اليوم.

IMG_6506

طلب محمد أن يتم انتدابه في سلك الشرطة مكان شقيقه، ولكن مؤهلاته والإجراءات الادارية لم تسعفه. ودافعه مواصلة مشوار شقيقه وملء الفراغ النفسي الذي خلفه مقتله. وأفادوا أنه كلما شاهدوا الزي الرسمي للفقيد، هاجت مشاعرهم حزنا. والأمر الآخر في أمنية محمد هو حاجة العائلة الى معيل وسند مادي ينفق عليهم ويعوّض دور شقيقه نيثر في كفالة عائلته الفقيرة.

 

ولكن لم تكتمل بعد فرحة محمد بالوظيفة التي قدمت له بمقر معتمدية نصر الله (إدارة محلّية تابعة لوزارة الداخلية)، فهو يشتغل منذ 8 أشهر ولم يحصل على مرتب واحد طيلة الفترة.

 

تؤكد الأسرة أنها ترفض المتاجرة بدم ابنها الشهيد، ولكنها تعتبر أن كل اتصال أو تدخل رسمي يخفف عنها الضغط النفسي الذي تعاني منه ويجعلها مرتاحة البال.

 

تدفع الذكريات الأليمة العائلة الى التفكير في مغادرة ذلك المسكن المتواضع بمنطقة “هنشير الهامل”، الى محل سكنى آخر عسى أن ينسيه ذلك ذكريات ابنها التي تلاحقها في كل حركاتهم بالنهار ومحاولات نومهم بالليل. علاوة على أن الجهات الرسميّة وعدتهم بتمكينهم من مسكن.

 

تنكر الدولة

بسبب التجاهل المتواصل من قبل المسؤولين، تعتبر عائلة الأمني الضحيّة نيثر العيادي أن تضحيات ابنها من أجل الوطن قوبلت بجفاء المسؤولي وافتقادها لدعمهم المعنوي والمادي ومنها البسيط جدّا. ومن المقترحات البسيطة التي عرضتها العائلة على البلديّة، هي تسمية شارع باسم ابنها “الشهيد” وتسمية ساحة “7نوفمبر” كما كان يطلق عليها قبل ثورة 2011، باسم ابنها واقترح صديق للعائلة تسمية اسم المقبرة باسم ابنها الشهيد “نيثر العيادي”.

 

وتتجه نيّة العائلة الى تنظيم تظاهرة ثقافية وفكريّة في الذكرى الأولى لوفاة ابنها على أمل أن تخلد ذكرى ابنها لانها تعتبر أن كل ما تفعله يخفف من أوجاعها وأحزانها ويضع عنها جانبا من شجن ذكريات ابنها الذي كان مصدر بهجة العائلة وكافلها ومنير ظلمتها كما تقول والدته صابرة التي لم تصبر على ذرف الدموع في ذكرى عيد الشهداء وهي تحتفي بابنها وحيدة يرتد الى مسمع صدى صوت ابنها وهو عائد من عمله من القصرين وهي تشاهد موكب تأبين 5 شهداء من الجيش الوطني، لقوا مصرعهم في مكان قريب من المكان الذي قتل فيه ابنها ب70 رصاصة، وتدعو أن يتوقف هذا النزيف المشبوه في نظرها وأن لا تفجع والدة في ابنها…لأنها تعرف حقا معنى أن تفقد أمّا فلذة كبدها في سبيل الوطن ثم تجابه بالجحود.

مقال نشر بوكالة الاناضول/http://ar.haberler.com/arabic-news-699857/

 

 

فيلم “صراع” يثير “أزمة الثورة” في تونس

 القيروان/ ناجح الزغدودي

تحوّل الشريط السينمائي “صراع” للمخرج التونسي المنصف بربوش إلى حدث يشغل الناس بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم الفكريّة، بعد أن كان مستبعدا من الدورة 25 لأيام قرطاج السينمائية ومنع من العرض في تونس بقرار من وزارة الثقافة التونسيّة  في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

كتب الفيلم المخرج حسين المحنوش ومثّل فيه ممثلون محترفون من تونس على غرار صالح الجدي وحليمة داود ولمياء العمري وهشام رستم وصلاح مصدق وعلي الخميري وحسين المحنوش وثلة من الشباب.

https://www.youtube.com/watch?v=6oj8iCOf5Oc

اعتمد الفيلم أسلوب القصّة المحوريّة ليجسم معاناة معارضي النظام السياسي الذي حكم بين 1987 حتى يوم 14 جانفي 2011 من خلال قصة أستاذ سجين وأفراد عائلته من أم وزوجة وأطفال منهم البنت التي كبرت ولم تر والدها،  وفي أثناء تعذيبه في السجن بسبب تمسكه بمواقفه النضاليّة تعيش أسرته التضييق والاضطهاد والقهر والتعذيب ثمنا لتمسكهم بالحريّة. ثم يكبر لأطفال وتتفجر ثورة الشباب في ثورة 14 جانفي 2014.

منذ منعه وطيلة شهرين قام “صراع” بجولة فرجويّة بين عديد المحافظات التونسيّة يشهد اقبالا قيسايّا في دور السينما والثقافة والمراكز الثقافيّة، ليتلقفه جمهور متعطش للسينما وللحقيقة. وتحوّل عرض الفيلم إلى حدث يشغل الرأي العام ويولّد النقاشات.

جدل ايديولوجي مستمر

في محافظة القيروان (وسط) تعهّدت جمعية مدنيّة مستقلّة تدعى “الشباب يريد”، وهي جمعية مدنية وثقافيّة، باستضافة فيلم “صراع” ومخرجه وبطلي الفيلم صالح الجدي وحليمة داود. وكان ذلك بمناسبة احياء الذكرى الرابعة لثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011 وكذلك ليس ببعيد عن ذكرى أحداث ثورة الخبز في 3 جانفي/كانون الثاني 1983 في زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (الحزب الاشتراكي الدستوري) التي شهدت محافظة القيروان أطوار مؤلمة ومقتل مناضلين وسجن وتعذيب ناشطين من الشباب التلمذي بمعهد المنصورة وسياسيين. وقد تضمن الفيلم مشاهد منها باعتماد أسلوب الومضة الورائيّة لبطل الفيلم نظرا لكونها مرحلة انتقاليّة بين نظامين تمهيدا لطرح النواة القصصيّة للفيلم في فترة حكم التجمع الدستوري الديمقراطي.

فيلم صراع يثر الجدل بعد منعه

فيلم صراع يثر الجدل بعد منعه

قبل العرض قال رئيس الجمعيّة زياد الجهيناوي إنّه يخشى ضعف الإقبال لكن حصل العكس ونفذت التذاكر المخصّصة بقاعة العرض بالمركب الثقافي وسط المدينة. وهو يتسع لما بين 800 و1000 متفرج.

الضجة التي حصلت عند الدخول بسبب الرغبة في الحصول على مقاعد، كانت ملفتة. استطاعت لجنة التنظيم تأطير الجماهير المتدفقة في ظل غياب أعوان الأمن.

انتفاضة في قاعة العرض !

 

وتواصل الضجّة حول الفيلم قبل عرضه داخل قاعة العروض بسبب التراشق بالشعارات والأناشيد بين أنصار “الاتحاد العام التونسي للطلبة” من جهة، وهو نقابة طلابيّة (مستقلّة) أنشأت سنة 1985 وتوصف من قبل منافسيها بكونها ذات توجه يميني. ومن جهة ثانية كانت هناك هتافات لأنصار فصيل الجبهة الشعبيّة الطلابي ذو التوجه اليساري. وهو تجاذب يحاكي الصراع الفكري في الجامعة ولدى الطبقة السياسيّة. ولم تقطعه سوى مشاهد الفيلم التي جمعت معاناة مناضلين سياسيين من اليمين واليسار والنقابيين والحقوقيين داخل الفيلم.

أحدث الفيلم إيقاعات راوحت بين “التصفيق” إعجابا ببعض المضامين خصوصا مواقف الشخصيات المناضلة صلب الفيلم والشخصيات المساعدة، أو تنديدا بمشاهد قاسية من القمع والتعذيب والتنكيل والخيانة. ولم يخف بعض من شاهد الفيلم تأثره وآثار عبراته.

كاد الفيلم يتحوّل الى مسيرة رفعت فيها شعارات ثورية على ايقاع شعارات الثورة التي مثلت أملا مشرقا بعد ظلمة دامت أكثر من عقدين وانفراجا بعد معاناة طويلة. وقد رفع شق من الجمهور شعارات “يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب” وضجت قاعة العرض بشعارات مناهضة لحزب الأغلبيّة الحاكم حاليا على مسوى رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة وهو حزب نداء تونس التي يضم في صفوفه قيادات شاركت في النظام السابق الذي تحدث عنه الفيلم وذكروا أسماء منهم الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي. خصوصا وأن عرض الفيلم كان بمناسبة ذكرى الثورة التونسيّة التي يعتقد كثيرون أنها لم تحقق أهدافها سواء على الصعيد السياسي أو الحقوقي أو الإجتماعي.

هذا ما حصل

الامن متورط في تعذيب السياسيين

“فيلم أعاد لنا زخم الثورة المفقود وإحساسنا بالوطن رغم بعض النقائص المتمثلة في اختصار العديد من الاحداث وعدم الكشف عن العديد من دواليب النظام البائد لكنها تبقى محاولة جيدة جد” يقول محرز القاسمي.

أمّا نور الدين الجهيناوي فتحدث  بصفته سجين سياسي سابق (حركة النهضة) وهو معلّم عاش نفس معاناة الأستاذ في الفيلم خصوصا علاقته بأبنائه وقال الجهيناوي ان ابنته كانت تحتضنه أثناء مشاهدة الفيلم وهي تبكي متأثرة بالمشاهد وتسأله هل حصل معك نفس الشيء”.

الى جانب الشهادات الحيّة التي قدمها بعض الحاضرين عن التعذيب داخل السجون وتأكيدهم أن المعاناة أكبر من ان توصف ويختزله الفيلم، احتج بعض أنصار الأحزاب اليساريّة على تهميش نضالات اليساريين واختزال النضال في شخصيات اسلاميّة. حيث انتقد الشاب عمد بن خود (ناشط سياسي ومدني) ما وصفه بتعمد اسقاط المخرج لنضالات رفاقه في اليسار وما قدموه من شهداء واتهم المخرج بالانحياز.

مخرج “صراع” المنصف بربوش دافع عن فكرته بالقول إنّ الفيلم يتحدّث عن أحداث فرضتها علاقة المحيطين ببطل الفيلم “الأستاذ”. وأنّ جميع الأطراف المكونة للمعارضة السياسيّة كانت حاضرة من يساريين ونقابيين وحقوقيين. لكنه لم يخف انحيازه بالقول “هذه فكرتي وأنا أصوّرها كما أشاء ومن لديه فكرة أخرى فهو حرّ في تقديمها بالشكل الذي يريد”. يقولها بحزم أقرب للغضب.

من أجل حق الإبداع

 المخرج بربوش أفاد لمدونة تكروان  “إن الثورة التونسية ألهمت العالم بالنضال من أجل التحرر والديمقراطية” مضيفا أن “تونس تسير على خطى التمكين وتحقيق أهداف الثورة”. واعتبر الحضور الجماهيري الكبير لمشاهدة الفيلم “خطوة حثيثة من أجل حق التعبير والحرية والفن الراقي”. وقد ندّد بمنع عمله من العرض منذ أشهر بسبب حسابات انتخابيّة معتبرا أنها عمليّة ضد حريّة التعبير والابداع.

من الناحيّة الفنيّة اعتبر زهير وهو مواطن من القيروان أنّ أوّل ما يلاحظ في الفيلم مخالفته لنوعية المواضيع التي طغت على السينما التونسية التي لم تخرج من الحمام ومواضيع الكبت الجنسي. واعتبر أنه فيلم صراع “نظيف” ويسمح بمشاهدته من قبل أفراد العائلة دون حرج. داعيا إلى الى دعم وزارة الثقافة لمثل هذه الأفلام والتخلي عن الارتهان للخارج في دعم الانتاج مقابل مواضيع مسقطة.

عدالة انتقاليّة؟

تعرض فيلم صراع إلى التعذيب داخل السجون، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم. لكن مسار العدالة الانتقاليّة تعطل حسب محمد الهادي المستيري، عضو الجمعية الدوليّة للدفاع عن المساجين السياسيين. وقد حضر العرض نوّاب من البرلمان التونسي عن حركة النهضة ووجهت إليهم دعوات لمواصلة لتفعيل ملف العدالة الانتقاليّة.

معز العيفاوي، سجين سياسي قدم شكاية قضائيّة من أجل محاكمة 10 أعوان أمن اتهمهم بتعذيبه. وقد وجه قاضي التحقيق تهمة التعذيب لهم ووجه لهم استدعاء من أجل الحضور لكن 6 مشتكى بهم فقط من ضمن 10. وهم أعوان امن من رتب مختلفة منهم من احيل على التقاعد ومنهم من يشتغل بمناصب عليا, وقد حضر  المكافحة اطار سامي بوزارة الداخليّة (في العقد السادس)، كان يشتغل بفرقة الشرطة العدليّة بالقيروان خلال ايقاف الشاكي سنة 1992. وقد استمع قاضي التحقيق الى المشتكى به وتم اجراء مكافحة بينهم وبين الشاكي. وأفاد الشاكي انه واجه المشتكى به بالوثائق والشهود الذين سبق لقاضي التحقيق تحرير شهاداتهم.

ويعد الشاكي معز العيفاوي (40 سنة)، أوّل سجين سياسي في القيروان يقدّم شكاية عدليّة ضدّ من يتهمهم بتعذيبه. وينتظر اختتام التحقيقات لإحالة الملف الى دائرة الاتهام بسوسة ثم الرجوع الى الدائرة الجنائيّة بالقيروان.

في عيدها الرابع، التونسي يراقص الثورة بقفة فارغة

* ناجح الزغدودي

يوم 14 جانفي/كانون الثاني 2015، استعاد الشعب التونسي ذكريات ثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011. فقرر الاحتفال بمرور أربعة أعوام من الثورة التي شهدت تقلبات سياسيّة واجتماعيّة وتغيرات كثيرة على الصعيديالسياسي والاجتماعي والاقتصادي.

في هذا الاحتفال حضرت الخطب السياسيّة والمطالبة بقتلة شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ومطالب اجتماعيّة أخرى منها التشغيل وتحسين القدرة الشرائيّة. وقد كانت قفة المواطن الفارغة حاضرة تبحث عن سبل ملئها في ظل ارتفاع الأسعار. وفي النقل التالي قمنا برصد عديد الآراء والصور والتصريحات.

عائلات تحتج على وضعها الاجتماعي

عائلات تحتج على وضعها الاجتماعي

بالقرب من تظاهرة نظمها حزب التحرير بتونس قرب مبنى وزارة الدّاخليّة القائمة بأسرارها العميقة في قلب شارع الحبيب بورقيبة، وقد كانت تدعو الى الخلافة ويؤكد ناطقها الرسمي بقرب تحققها، كان كهل في العقد الخامس يستعين بعكازين من أجل الوقوف وهو يرفع قفّة من السعف كانت فارغة.

حمل قفة فارغة تعبر حسب التراث التونسي عن عدم القدرة على شراء الحاجيات نتيجة عدم توفر المال. وتعبر عن الفقر والمشاكل الاقتصاديّة. ويستعمل مصطلح “قفة المواطن بشكل متواتر في تصريحات وسائل الاعلام وفي تصريحات السياسيين خصوصا بعد الثورة في خضم التجاذبات.

خبز في شارع الحريّة

يبادر صاحب القفة بالقول إن سبب خلو قفته من المواد الغذائيّة هو “حمّه الهمامي” مرشح الانتخابية الرئاسية للجبهة الشعبية مشيرا الى كثرة حديث الهمّامي عن “خالتي مباركة”. معتبرا أنه بعد الانتخابات بقيت الوعود ولم يتحسن وضع المواطن الفقير. كما تحدث صاحب القفة عن اعاقته وعدم توفر مورد رزق لديه.

في هذا الشارع خرج الالاف واسقطوا النظام بعبارة ديقاج

في هذا الشارع خرج الالاف واسقطوا النظام بعبارة ديقاج

سيدة أخرى كانت تعلق في أعلى هراوة قفة يزينها العلم التونسي الأحمر. وكانت القفة مقلوبة الى الأسفل في إشارة لكونها خالية. كانت صاحبة القفة تحتج أمام قصر المسرح البلدي بجوار وقفة احتجاجية لاتحاد المعطلين عن العمل. وكانوا بدورهم يتحدثون عن البطالة والفقر وارتفاع الأسعار. وتحدثت المرأة من جهتها عن مشاكل ارتفاع الأسعار مقدمة عينات من الأسعار التي بلغت حدّا أقصى خصوصا خضر البصل والبطاطا والحليب واللحوم وارتفاع الكهرباء والماء وغيرها من تكاليف الخدمات.

قفة المواطن فارغة

الخبز يساوي الكرامة

عندما خرج جزء من المواطنين في الحراك الإجتماعي احتجاجا على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي سقط يوم 14 جانفي، كان هناك شعار وحد المحتجين من الشمال الى الجنوب وهو “خبز حريّة كرامة وطنيّة”. ثم تدرجوا في الاحتجاج بشعار “خبز وماء وبن علي لا” في تعبير عن الصبر والتحمل من أجل تحقق الثورة.

فقد رفع مواطنون رغيف الخبز في الاحتجاجات أيام الثورة خصوصا بين 10 و14 جانفي 2011، في شارع الحبيب بورقيبة والذي تحول اسمه الى شارع “الثورة” وتحديدا قبالة وزارة الداخليّة التونسيّة كان هناك من يحتج وبيده رغيف خبز. يومها كانت العائلات الفقيرة والمعوزة تئن تحت خط الفقر وتحترق بلهيب الأسعار مقابل حياة مترفة لفئة قليلة من رجال الاعمال وأصهار الرئيس المخلوع التي تتحكم في المال والأعمال ودواليب التجارة الرسميّة والموازية وخصوصا استيراد الموز.

 

يومها كان رغيف الخبز أكثر من شعار. رفع أمام وزارة الداخليّة. مثلت به اداة الرشاش تحاكي رشاش قوات الأمن والقناصة المتهمين بقتل شهداء الثورة الذين فاق عددهم 300 شهيد دون التعرف الى هوية القاتل. وقد كان من يحمل الخبز تبدو عليه مظاهر الفقر. وهذا علاوة على رمزية رغيف الخبز التي تعود الى ثورة أحداث الخبز في 3 جانفي1983.

الخبز سلاح اجتماعي يسقط السلطة

الخبز سلاح اجتماعي يسقط السلطة

ثورة الخبز؟

بعد 4 سنوات من الثورة عادت المطالب الاجتماعيّة لتحول فرحة الاحتفال بعيد الثورة الى مرارة. “الثورة لم تتحقق بعد والمواطن الفقير هو الخاسر الأكبر”.

غاب الخبز عن الاحتجاجات في عيد الثورة 4

غاب الخبز عن الاحتجاجات في عيد الثورة 4

ورغم أنه لم يرفع رغيف الخبز في الاحتجاجات وعوضته القفّة، فإن الخبز كان حاضرا لكن للبيع من خلال عرض أرغفة خبز تقليدي يعرف في تونس ب”خبز الطابونة” وهو خبز تقليدي.

بيع الخبز في شارع الحبيب بورقيبة

بيع الخبز في شارع الحبيب بورقيبة

وقد كان كهل يتولى البيع في نقطة أولى قرب منصة احتفاليّة لحركة النهضة التي بدت سعيدة بالدستور والانتقال الديمقراطي وفق تصريحات ممثلها عبد الكريم الهاروني وزير النقل السابق.

وقال بائع الخبز إنه بيع الخبز هو مورد رزقه وتحدث عن صعوبات اقتصادية ناجمة عن ارتفاع الأسعار لكنه بدا متفائلا بالمستقبل رغم تأكيده أن الثورة استفاد منها “قلة من الشخصيات السياسية والانتهازيّة”.

بدل الاحتجاج بالخبز هناك بيع للخبز

بدل الاحتجاج بالخبز هناك بيع للخبز

ونقطة بيع الخبز الثانية قرب مجموعة من السيارات الأمنية التي كان أعوانها مدججون ومنتبهون لكل الحركات كأنهم ينتظرون أوامر أو تعليمات بالتدخل. وكان هناك شاب يبيع خبزا في شكل اقراص قطرها أكبر من الحجم المتعارف عليه وكان سعرها مضاعفا للاحجام المتوسط العاديّة. وكان يبيع الخبز شاب تحدث عن تجربته في العمل بمخبزة، كما أشار إلى ارتفاع أسعار المواد الأوليّة وهو ما دفع  أصحاب المخابز الى ارتكاب بعض التجاوزات.

سياسات خاطئة

يعتقد مهدي الجلاصي الناشط المدني والسياسي أن المواطن الفقير تضرر من سياسة الدولة التي لم تتجه نحو الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وقال بعد 4 سنوات من الثورة الحكومات لم تسع الى التخفيف في الاسعار. وفي المقابل ارتفعت الاسعار وتدنت الاجور. وتدهورت القدرة الشرائية بشكل كبير لفئة المواطنين وارتفعت نسبة المواطنين.

وهو نفس الموقف الذي عبر عنه عضو باتحاد أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل مشيرا الى أنه بعد 4 سنوات من الثورة بقي المعطلون في آخر اهتمامات الحكومة التي شهدت تنازعا على السلطة. وأشار الى تزايد نسبة الفقر والاجتماعية.

 أزمة الفقراء تتفاقم

تعاقبت على السلطة منذ 14 جانفي 5 حكومات وقتية. منذ خطاب المخلوع بن علي واقرار خفض سعر رغيف الخبز المدعوم من الدولة بين 190 و230 حسب الحجم، لم يتغير سعر الخبز. ولكن أسعار عديد المواد الاستهلاكيّة ارتفعت خصوصا المدعومة بعد قرار الرفع التدريجي للدعم وهي آلية اقتصادية اعتمدتها حكومة مهدي جمعة التي استلمت الحكم في ديسمبر 2014، وهذا في اطار شرط من صندوق النقد الدولي الذي فرض شروطا منها رفع الدعم وايقاف الانتدابات في السلك العمومي.

بعد صبر طويل اصبح المواطن التونسي لا يجد العبارات للنطلق

بعد صبر طويل اصبح المواطن التونسي لا يجد العبارات للنطلق

رغم التحسن النسبي لأجور الموظفين فإن القدرة الشرائيّة واصلت التدني وبلغت حدتها مع بلوغ الدينار التونسي أدنى مستوياته مما تسبب في تضخم مالي. لكن العائلات المعوزة لم تحصل على مساعدات ولا على موارد رزق. وقد كان الانتداب في العمل الهش ضمن آليات الحضائر والآليّة 16، فرصة ضئيلة لا تسمح بتحسين ظروف جميع العائلات من خلال مرتب لم يبلغ الأجر  الأدنى الفلاحي ولا الصناعي “سميق”.

غياب الخبز عن الاحتجاجات ربما يعود الى تطور اشكال اخرى للاحتجاج مثل اللافتات والكتابة والتصوير، وليس لأن ظروف المواطنين تحسنت. وأكد الحزب الجمهوري في مسيرة نظمها بمناسبة الاحتفال الى ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعيّة. ولكن يبدو ان أكثر العائلات بدأت تتجه الى أساليب أخرى لكسب قوتها سواء مخالفة القانون أو التسوّل.

شاهد المرأة المتسولة ماذا تقول

حريّة التعبير في تونس باتت في خطر ؟

* ناجح الزغدودي

قطع مجال حرية التعبير في تونس شوطا محترما بعد ثورة 14 جانفي/كانون الثاني تجسم في المرسوم 115 و116 للعمل الصحفي ودستور الجمهورية الثانية الذي ما يزال يثير الجدل. وقد قطع الاعلاميون والمدونون مع منظومة رقابة البوليس والوصاية على الرأي وحرية التعبير والاختلاف السياسي. وحقق التونسية مكسبا هاما.

بعد اتساع رقعة حرية التعبير تلقى الرأي العام التونسي يوم 24 ديسمبر/كانون الاول إيقاف المدون ياسين العياري بعد صدور حكم بسجنه ثلاث سنوات مع النفاذ صادرة عن المحكمة العسكريّة بتهمة الاساءة للمؤسسة العسكريّة التي تعتبر تحت اشراف الدكتور الحقوقي المنصف المرزوقي وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة. وذلك لانهم كتب على صفحة التواصل الاجتماعي انتقادا لاداء المؤسسة العسكرية ولرموزها.

دستور في حاجة الى نصوص

بموجب الفصل 31 من الباب الثاني “الحقوق والحريات” من دستور جانفي/كانون الثاني 2014، فإن حرية التعبير مضمونة لكل مواطن. ولا يشير الدستور الى استثناءات تحد من حرية التعبير.

قبل ايقاف ياسين ومحاكمته تعرض فنانون وصحفيون ومدونون الى المساءلة القضائيّة وتم ايقاف بعضهم وصدر في شان البعض الاخر احكام قضائيّة بالسجن. ولكن مساندة المنظمات الحقوقيّة وهيئات الدفاع مكن من الافراج عليهم من ذلك محاكمة الفتاة أمينة السبوعي المعروفة ب”أمينة فيمن” ضمن نشاط عاريات الصدور العالميّة.

وضع الحريات في تونس لا يزال هشا رغم تضمن الدستور لفصول يقر بأحقيتها. بعد عام من ختمه، سيصبح دستور الجمهورية التونسية نافذ المفعول بداية من جانفي/كانون الثاني 2015. وستنظر اللجان صلب البرلمان التونسي في القوانين التي تفصل فصول الدستور ليصبح الدستور التونسي اكثر وضوحا.

قوى ديمقراطية حية

حريّة التعبير باتت في خطر في تونس؟

حريّة التعبير باتت في خطر في تونس؟

ربما لن تكون هناك خشية من اقرار قوانين تقلص من مساحة حرية التعبير لعدة اسباب اقوى من سبب سيطرة حزب نداء تونس على البرلمان. لان هناك شخصيات نقابية وحقوقية تمرست على حرية التعبير وستقف ضد كل مس من حرية التعبير، وهذا ما لم يتم تدجينها واخماد صوتها للسكوت عن تلك الحقوق.

ولكن في صورة تحقق فرضية تعديل الدستور والانقلاب على مكتسبات الحرية، فانه لا مصلحة لأي طرف المس من مكتسبات الثورة حتى وان كان معاديا لها، والسبب ان هناك قوى ديمقراطية حية في تونس وحراك مدني سيتصدى لكل مس من الحريات.

المخاوف كما كانت دوما هي من سوء تأويل القوانين وسوء استغلال السلطة وخصوصا سلطة البوليس والمؤسسات التنفيذية. فرغم وجود قوانين تمنع التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتفاظ، حصلت تجاوزات. ورغم وجود قوانين سابقة تمنع التعذيب في السجون، حصلت انتهاكات كثيرة موثقة.

منظمات المجتمع المدني الراعية لحرية التعبير وخصوصا المنظمات الدولية مازال لديها عمل كثير في انفاذ الحق في العبير وحرية ابداء الرأي وحق التمتع بمحاكمة عادلة تتوفر فيها الشروط الانسانية. ومنها حق الاشخاص المدنيين في المرور عبر محاكم عدلية وليس عسكريّة، مثل حالة المدون ياسين العياري.

حسابات ايديولوجيّة

دستور تونس

ما يلاحظ وجود خلاف ايديولوجي بين ياسين العياري ومخالفيه في الرأي ووالفكر والايديولوجيا. ويوصف العياري بأنه قريب من حركة النهضة التي توصف بمرجعيتها الاسلاميّة، رغم نفي الطرفين ورغم نفي حركة النهضة الصفة الدينية عنها وتأكيدها انها حزب سياسي مدني.

ورغم هذا الاختلاف فان هناك من يفصل بين انتماء العياري وبين مبدإ الدفاع عن حقه وحريته، وفي المقابل هناك من يكرس ما يوصف ب”الحقد الايديولوجي” وينتهز فرصة التشفي في عدوه اللدود حتى وان كان الطرف الاخر هو ايضا “صديقه اللدود” الماسك بالسلطة.

وهذا الخلط بين تصفية الحسابات الشخصية ومبدأ التآزر بين الحقوقيين ومناصري حقوق الانسان، لا يخدم حقوق الانسان بقدر ما يكرس الفرقة ويعمق الهوة الفكرية ويعيدنا الى مربع المراهقة الايديولجية خصوا الصراع اليساري الاسلامي في الجامعة والذي انتقل الى الساحة السياسية ليخرج من بينه “الاحزاب الدستورية” فائزة بمقاعد البرلمان والرئاسة وربما الحكومة في وقت لاحق.

فرّق بين المنظمات تسد

الخلافات الايديولجية التي تقترب من فقدان البصيرة بعد فقدان بعد النظر، تلوّح بإحداث قطيعة وتوسيع رقعتها لتشمل كل المسائل. وليس فقط المسائل الخلافية وإنما ايضا المتفق عليه من المسلمات مثل عنوان “الحقوق والحريات” التي يفترض أنها لا تنفصل.

وبما أن السلطة التنفيذيّة تروم بالضرورة بسط نفوذها وكسر قيود الرقابة عليها لاطلاق يدها، فانها تنتعش بشكل مريح عند حصول انقسام في جدار المجتمع المدني الراعي للحريات. وتنتعش من الصراع والتطاحن. بل هي تسعى دوما الى احداث الشروخات والفوارق وافتعال صراعات وهميّة وتوظيف السياسة فيها ليظهر في الاخير ان هناك اختلافا سياسيّا.

أذكياء مجال الدفاع عن الحريات يعرفون مواطن الالغام والفخاخ فيتجنبون الوقوع فيها، ولكن الاصطفاف الحزبي والايديولوجي يجعل جدار الدفاع هشا وسهل الاختراق.

حريات هشة

فصل دستور

كان من المفترض أن يتفق الفرقاء على أمر واحد وهو مبدأ الدفاع عن حقوق الانسان وعن حرية التعبير والحريات العامة. وهذا يسهل عليهم حسم الخلافات وطرحها جانبا. ولكن هناك من يسقط في مستنقع الانقسام السياسي.

وما يلاحظ أن تداول اكثر من حزب على السلطة بعد 14 جانفي، جعل مواقف انصار كل حزب تختلف من موقع كونها في السلطة عن موقعها في المعارضة. ولا ادل على ذلك من انصار الترويكا الذين كانوا يجدون تبريرات لايقاف مدونين وفنانين ثم اصبحوا يحتجون على ايقاف امثالهم في قضايا مماثلة. والعكس صحيح لمن كان يعترض على مثلا على ايقاف من خرج يحتج وأحرق مقرّا حزبيّا، ويبرر ذلك الفعل بحرية التعبير والتظاهر. ثم أصبح هو نفسه ذلك الموقف عكسيّا بدعوى فرض “هيبة الدولة” وفرض الهدوء

لا شك أن الحريات والحقوق مهددة لأنها ما تزال هشة وغير مقننة. لان النص الدستوري حاليا هو عام وشامل ويحتاج الى تدقيق وتفصيل وبالتالي وجب أن تكون النصوص الترتيبية في حجم تطلع شعب وخصوصا الشباب، الذي ذاق من طعم لحرية وضاق من قمع الحريات.

مدونة ياسين العياري
http://mel7it3.blogspot.com/
التعريف بياسين العياري

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D9%8A

النقاب، اللّباس الذي نسجته الثورة…يثير الجدل  

كتب ناجح الزغدودي- مدونات عربيّة

تحوّل الحديث عن “اللّباس الشرعي” للمرأة، والنقاب بين السند الشرعي ومقتضيات الواقع وما فرضته الاحداث الارهابيّة، بعد الثورة، من الخطب التلفزية عبر الفضائيّات إلى شيء واقعي وأصبحت شأنًا إجتماعيّا وتجاريّا وأيضا من تفاصيل الحريات الشخصيّة رغم الجدل الحاصل حول النقاب والانحراف في استعمالاتها ومنها حادثة القبض على مفتش عنه متخفي في “نقاب” نسائي.

بموجب المنشور 108 الذي صدر في 1981 في أواخر حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة والى ما قبل 14 جانفي 2011، يمنع وضع النقاب ولبس الحجاب في المؤسسّات العمومية والتربوية والجامعية. بل إنّه يمنع وضع الدبوس (المسّاك). يسمح فقط  ب”التقريطة التونسيّة”. بموجب المنشور تم إيقاف عديد النساء طالبات وموظفات وربات بيوت ونقلن إلى مراكز الأمن. التزمن تحت الضغط والتهديد بعدم ممارسة هذه “الحرية الشخصية” التي يضمنها دستور 59 ويقيدها. بيع هذه الملابس في محلات عمومية بشكل علني كان ممنوعا. ليس هناك أي قانون يمنع ذلك لكن حصلت رقابة سياسية وبوليسيّة مخالفة للدستور.

نقاب

يتلقى التجار الذين يجلبون البضائع عبر القطر اللّيبي أوامر بعد م جلب أنواع من أغطية الرأس خاصة بالنساء تسمّى بالحجاب. وتحجز البضاعة. لكن ظلت تباع سرّا تارة وعن مضض من الرّقابة تارة أخرى.

جاء في تقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية، أنه مع الإقبال المتزايد على الحجاب بعد الثورة، ازدهرت تجارته، ووجد فيه التجار ومصممو الأزياء فرصة لإنعاش تجارتهم. وبات الحجاب والجلابيب من بين الملابس النسائية الأكثر مبيعًا في الأسواق الشعبية والمحلات التجارية الراقية.

في القيروان، لم تعد هناك مضايقات أو قلق بشأن ارتداء الحجاب أو النقاب بعد الثورة. تجارة هذه الملابس وغيرها من توابع التدين، لم تعد ممنوعة. محلاّت تبيع النقاب وتبرزه في واجهاتها بكلّ الألوان والتصاميم. سيدات يصنعن “اللّباس الشرعي” ويبعنه. مشاريع نسائيّة وموارد رزق للعائلات. ولا حاجة لهذا المجال بترخيص.

وأصبح الأهم هو الحديث عن الأذواق والجماليّة وإختيار للألوان. وعن الجودة و”الموضة”. والتنافس بين اللباس التقليدي وآخر وافد.

في القيروان هناك تقاليد لباس “الحايك” والسفساري. تراجعت هذه التقاليد بشكل ملحوظ وبرز في المقابل “الحجاب الوافد”. وسط أسواق المدينة العتيقة التي تعرف نساؤها بلباس الحايك التقليدي، الابيض خصوصا.

في الأحياء التجاريّة، قرب محلات بيع الملابس العصريّة الجاهزة، وأمام الجوامع يوم الجمعة. محلات ال”لباس شرعي” للنساء تنافس محلات بيع الملابس الجاهزة. لا توجد دمى مكسوّة. تعلّق الملابس تعليقا. وللرّجال نصيب في هذه المحلات من القبعات والعطور والزيوت العطرية ومنتوجات الطب البديل للنحافة والسّمنة والقدرة الجنسية والتجميل.

بعد تخرّجها من كلية الحقوق سنة 2010، لم تحصل على وظيفة. “القطاع العمومي يتطلب الانتظار والقطاع الخاص محدود”. تتزوّج بعد التخرّج. تلزم بيت أسرتها. يأتي موعد 14 جانفي. يأتي حل البطالة. فتح محلّ لبيع “الملابس الشرعية. “ريحان الجنة” اسم المحلّ صاحبته التي زارها “جدل” اختارت أن يكون “ريحان” إسمها المستعار. رفضت التسجيل الصوتي والفيديو. قبلت الحوار. برفقتها ابنتا شقيقتها التي فتحت محلاّ ل”الانترنيت” مجاورا لها.

يعرض المحلّ عيّنات من “اللّباس الشّرعي”. هنا يوجد “الجلباب”. أغطية الرأس والوجه (النّقاب) والقفازات. أغطية الرأس وبعض الملابس المستوردة الخاصة بالرجال.النقاب

بعض الملابس تأتي جاهزة من الخارج. من الخليج أو من الجزائر. تتعامل التّاجرة مع حرفيّات خياطة يلبّين طلبات حريفاتها. القياس في الغالب يكون موحّد القياس. بعض الحريفات يطلبن مقاسات وألوان مخصوصة فتلبى طلباتهن.

لم يكن بإمكانها أن تفكّر في فتح محل لبيع مثل هذه الملابس قبل الثورة. تعرّضت إلى مضايقات بسبب غطاء رأسها أيّام دراستها الجامعيّة. قائلة: “لم أفكر قبل الثورة في هذه التجارة. بسبب الضغوطات السياسيّة. لم تكن هذه الملابس تدخل إلى تونس فمعظمها مورّدة.

الوضع الحالي والحراك الاجتماعي والديني دفعاها إلى اقتحام هذا النشاط التجاري. وضعت جانبا شهادتها الجامعية. وتحوّلت من العلوم القانونية إلى عالم التجارة. يشهد مجال بيع “اللباس الشرعي” منافسة وصعوبات ومتاعب.

يساعدها زوجها في جلب البضاعة من مدن مجاورة. اشتغلت “ريحان” في محلّ مماثل في مدينة سوسة. وتعتبر رواج هذه البضاعة هناك أفضل من القيروان. “الإقبال في القيروان أقلّ وخصوصا في الصّيف”. ذلك أن حرارة الطقس تدفع المنقبات إلى التقليل من التحرّك في الخارج”. كما تؤثّر الحركيّة العامة في البلاد في هذه التّجارة. في شهر رمضان تزدهر بشكل أفضل وأيضا خلال الحركية الجامعية.

الرّبح يرتبط بالمواسم. حسب حجم رأسمال وكذلك حسب موقع المحل. يقع محلّها قرب جامع عقبة. خصّصت ألفي دينار لمشروعها. يشاركها زوجها في عملها. يجلب البضاعة من سوسة. يتنقا بين المزوّدين. “اللّباس الشرعي” له شروطه الدينية. كذلك شروط الجودة والجماليّة حسب قول “ريحان”. “البحث عن خيّاطة جيدة” هو أهمّ ما يشغل بالها. الجودة هنا ترتبط بالسعر. نوعية القماش. سعر الخياطة. هامش الرّبح.

الاقناع والثقافة

هناك ضوابط تحكم تجارة هذا النّوع من الملابس. تسمّيها ريحان “وسائل إقناع”.  تناسق الألوان. جودة القماش. جودة الخياطة. السّعر. هي بعض العناصر.

 تتفاوت الأسعار هنا حسب الجودة. “النقاب الخليجي بين 18 و20 دينار. النّقاب التونسي والجزائري بين 12 و15 دينار. هنا عنصر الجودة ومتانة القماش هي التي تحدّد السعر. قائلة: “النقاب الخليجي مرتفع الثمن”. هنا يدخل عنصر آخر لموضوعنا يتعلّق باللّباس. هناك “السفساري والحايك القيرواني”. تصنّف ضمن اللّباس الشرعي” وهي في نفس الوقت تقليدية.

توافق “ريحان” أنّ الحايك القيرواني هو لباس شرعي. وتضيف أنّ هناك “موضة صنع النقاب من قماش الحايك”. ملابس خليجية او شرقية أحيانا صينية. تؤثر في رواج المنتوج المحلي. وتعتبر “اللباس التقليدي باهض الثمن ولهذا السبب تراجع شراؤه”. منذ سنوات وليس بعد الثورة. ولا تمانع “ريحان” لكونها محجبة في ارتداء أي نوع من الملابس “شريطة ن يكون شرعيّا” ولا تعتبر أنّ هناك مشكلا في “بيع ولبس موروث أي دولة المهمّ أن تتوفّر فيه الشّروط”.

“ليس هناك حديث عن الموضة”. الأولويّة ل”الشرعيّة”. سواء النقاب أو الجلباب لم يعد اللّون الأسود سلطان الألوان. “المليحة” لم تعد تلبس فقط اللّون الأسود. ليس الأصفر والأحمر والأخضر. “هناك إقبال على الألوان المتناسقة”. الهادئة. الأبيض. البني. الأسود. الرمادي. البنفسجي. الخمري. هي الألوان المعروضة. وتقول إنّ حريفاتها يحرصن على الجودة وعلى تناسق الألوان. وعبّرت عن عدم رضاها إزاء الوصف المتداول في نعت المنقّبات وإزدرائهن، بعبارات “الخيمة المتنقلة” و”المجهولات” و”الغربان”. واعتبرته مسّا من الحرّية الشخصيّة للمرأة وومن حريّة المعتقد.

أدوية وأعلام

تبيع “ريحان” الى جانب الملابس الوافدة. الزّيوت العطرية وبعض أنواع الأدوية الموازية أو البديلة وهي مستوردة. وتقول “إنها أدوية خفيفة” ولا تعطى بناء على وصفة الطبيب. دواء للنحافة والسمنة. وأخرى للشعر وأخرى لعلاج الروماتيزم…والضعف…

 

خلف مصطبة المحل عُلّق علم يحمل عبارة “لا اله إلاّ الله محمد رسول الله”. خطّ كوفي أسود مرسوم على خلفيّة بيضاء تتوسّطه دائرة تُعرّف ب”خاتم النبوّة”. دائرة سوداء وخط أبيض. القماش ملمسه حريري. حاشيته مطرزة بخيوط ذهبية اللّون. شكّل ما يشبه الإطار الموضوع على الجدار. يختلف عن العلن الذي يحمل نفس. لكن لا توجد بها الدائرة السوداء. والذي يرفعه حزب التّحرير عادة.

“لا دخل لي في أي توجه ديني أو سياسي” تقول ريحان عندما سألناها عن دوافع تعليق العلم المطرّز. “صدقني لا أفهم الفرق بينها أنتم الصحفيّون تهتمّون بالتفاصيل “. ثم تقول هو ليس للبيع.

تأمل “ريحان” في نجاح مشروعها الّذي ولد مع الثّورة حسب قولها. كانت مبتسمة دائمة. لم تمانع في التقاط صورة لمحلها لكنها خيرت أن لا تظهر في الصّورة.

 

سيتحقق الحلم في وطني…حدثتني نفسي المطمئنّة!

 

تتقلّص بي فرص العمر باتجاه المستقبل وأنا أرى طفلي وصال 7 سنوات ومحمد أمين 5 سنوات تقريبا، يسابقون ظلالهم التي بدأت تنمو تحت ضوء القمر. وأنا أتابع سير التحضير لانتخبات 2014.

هذه الليلة شديدة الحرارة وربما جعلتني أتخيّل الهذيان حلما. فهل من حسن الحظ ان الشمس لم تكن مشرقة ليلا أم انني وأطفال نحتاج الى شمس، للنور والحقيقة وضياء المستقبل. لقد مللنا الظلمة والظلم.
مضت 4 سنوات تقريبا منذ خضبت ذلك الاصبع الذي سيبقى عليّ شاهدا. يومها دفعني الفرح بين طوابير المنتظرين. التهمتنا حرارة الشمس ومع ذلك ناضلنا والتزمنا بحرارة الانتظار من أجل الحصول على حقوقنا. أتممت عملي الصحفي في تغطية مكاتب الانتخباب وملاحظة سير العمليّة وتسجيل بعض النقائص والفوارق عبر الاذاعة وسجل بالكاميرا، ثم توجهت لأتم واجبي الوطني، توجهت الى مكتب أرتاح فيه حاضرا وارتاح عبره مستقبلا.

ليتنا نرتاح ولكن هيهات. هكذا تضطرم في نفسي الهواجس.
أتذكر ذلك اليوم جيدا. فقد كان يوم أحد. يوم فيه رسمت على شفاه المتحمسين بسمة الظفر وعلامات النصر وتهاليل الفرج.

سيتحقق الحلم نعم إنه يتحقق. هكذا تحدّثني نفسي الطمئنّة.

غشيت جسدي الذي بلله العرق، نشوة وقشعريرة الفخر. بكينا فرحة وذرفنا دموع الرجاء والتوسل الى الله. “يا ربّي احم بلدنا وسائر بلاد المسلمين” رغم انها دعوة تعلمتها من أئمة كانوا يخطبون في مساجد قبل 14 جانفي….على الأقل هناك ما يستحق الذكريات.
عدمت مساء الى المنزل. يومها كان ابني محمد أمين في عامه الأوّل. يومها دفعه الفضول الى لعق اصبعي المخضبة في حبر الانتخاب ولم يكن يفهم، وكذلك كنت مثله. لكن وصال التي تعرف الحنّاء، اعتبرتها حناء وضحكت. أفعمت صدري بالرجاء وأذكر انني نمت متعبا بسبب التعب والارتياح.
مرّت الأيّام والأشهر والسنون ومازال الحلم لم يتحقق. كنت أظن ان سحر الثورة سريع عجيب من عجائب قدرة الله وأن هناك ارادة ثورة وعزيمة ثورة وتسامح ثورة ومحبة ثورة…

كنت احلم نعم. ربما انا احلم. وقد اكون أهذي لكنني يقظ وافكر في المستقبل المزعج.

طالت فترة الانتقال ولم ننتقل. لو انني ملكت زمام نفسي وانتقلت الى الضفة الاخرى لكان خيا لي. فقد عرض علي الفسر وترك البلد ولكنني تمسّك بالوطن وترابه ومائه وملحه. هنا اهلي وميلادي هنا اناس اعرفهم رغم انني متعب بينهم.

بعد اربع سنوات من الحديث عن الانتقال ووعود الانتقال والصراع والتفقير والترهيب والتضييق والسحن والتعتيم والتضليل والتهميش والبطالة…عادت الانتخابات. وعادت التجاذبات.

أحدث نفسي بأن حمى التنافس والتناحر لن تنتهي. يقينا لن ينتهي هذا. وأقول هل كل السياسيين وطنيون ام كلهم مغفلون؟

أعود:
جاءت الانتخابات. سوف يعود المترشحون لملئ الساحات بالخطابات ويصموا آذاننا بالوعود الكاذبة. سوف يتهافتون ويتزاحمون، ليس من أجل اسعادنا وانما لابعادنا وليس من اجل البناء وانما ليصعدوا على اكتافنا. عادت الوعود التي عهدناها.

لحظة رجاء: هذه عينة من الدعايات: افتح الرابط رجاء وانتبه: https://www.youtube.com/watch?v=bqm1sj0HSeI

وربما لا يخجل من نفسه ذلك البرلماني الذي تم اختياره خطأ، أن أجده في طريقي فيبرر ويعتذر وربما يعتلي بعض المنصات ويكذب ويقول سنفعل لكم…

أسمع طنينا في أذني يقول: سوف نفعل بكم…يا ربي سلّم

أشعر كثيرا أن بعض السياسيين الأغبياء لا يتفطنون الى غبائهم. فعندما اطلقوا وعودهم في أول خطاب لهم، كانت السيارة تشتغل بالفحم الحجري. وكانت التلفزة بالأبيض والأسود. وكانت آلة التصوير التي جربتها تحتاج الى شريط فضي يحتاج الى تحميض. وكانت مكبرات الصوت لا تبلغ الصوت.

أغبياءأولئك السياسيون الذين لا يعرفون مطالب مواطنين ولا يتتبعون احلامهم.

large_news_ANC-3

نفس أولئك يعودون بثوب ابيض كأن الذئب لم يأكل ذات الرداء الأحمر، تونس.

نفسهم يعاودون الخطاب. يزعمون انهم سيدخلوننا الجنة. يزعمون أنهم سيزرعون الاسفلت وردا.

مهلا: يعجبني الشوك في الورد لأحذر منه واتمهل تقبيله وليس لامتنع عن قطفه.

لم يتطور رجال السياسة ولا رجال الدين. لا فسلفة هيغل ولا حتى نظرية داروين تؤثر فيهم. لو ان الديناصور، الكائن الخرافي مازال بيننا لقرّر أن يستقيل من التاريخ ولكن ديناصورات السياسة لا تكتفي. كفى !

عودت إبني وصال ومحمد امين على ان كل ما يعرض في التلفزة هو تمثيل. نعم تمثيل. وكذلك هم رجال السياسة يفعلون انهم لا يمثلوننا وانما يمثلون علينا…وكذلك فعلون بعد الانتخاباب.

عادوا بالوعود.

القيروان تاريخ مجد وحضارة ومنارة شامخة وعاصمة اسلامية وهي زاخرة بالتراث الانساني القديم منذ العصر البدائي والروماني والبربري والإسلامي. وهي في موقع استراتيجي. وهي تتوفر على مقومات طبيعية وبشرية ضخمة. وهي مهمشة منذ الاستقلال وفي ظل 5 حكومات بعد الثورة…وسوف و سو وس…كلها تسويف ووعود وتزييف ونكث للعهود.

تشير الساعة الى اليقظة. نعم حان وقت العمل.

يأتي محمد امين ليستلقي بجانبي وتداعب وصال بشعرها الحريري وجهي الذي كساه العرق.

من حسن الحظ انني عندما فتحت الحنفيّة وجدت ماء.

بعد الفطور الخفيف الخالي من القهوة، تفقدت آلة التصوير وسحبت بطاقة الذاكرة من الحاسوب الذي يرافقني منذ 8 سنوات. وضعت حقيبة الظهر. نزعت الهاتف من الشاحن. بحثت عن المفاتيح بين كدس الاوراق. لبست الحذاء بعد تلميعه. تفقدت الاطفال وأمهما.

ركبت دراجتي التي أخفيها عن اللصوص في مستودع أصهاري بعيدا عن منزلي. ملأ الهواء رئتي ودار بجسمي.

الحمد لله نسيت ما كنت أهذي في تلك الليلة الحارة. لقاء حار وشجين مع مشاغل أبناء بلدي القيروان نبض تونس هذا هو عملي اليومي.

كنت قررت الترشح لدخول قصر قرطاج. كانت مجرد مزحة انا لا أتحمّل مسؤولية اعرف فشلي فيها مسبقا.

 

 

سماحة المفتي أفتنا…متى عيد غزة؟

أعلن سماحة مفتي الجمهورية التونسية ان يوم العيد هو يوم الاثنين 29 جويلية. أعلن ذلك رغم أنه تعذر عليه رؤية هلال العيد. أعلن ذلك مخالفا القاعدة الفقهية وهي اتمام ال30 يوما عند تعذر الرؤية. ولكن سماحة مفتي الديار التونسية الذي لا نراه سوى مطلع رمضان ومطلع العيد اتجه نحو تكريس الوحدة العربية والاسلامية وهذا جميل ومستحب بل هو حلم نروم له التحقق. خاصة وأن السعودية وقطر وغيرهما من الدول الخليجية قررت ان يكون يوم الاثنين هو يوم العيد.

لست أخالف سماحة المفتي في علمه وفقهه ورؤياه التي قد يكون راها في منامه ليلا . فقط أردت لو انه تمكن أيضا من أن يخبرنا متى يحين عيد غزة.

سماحة المفتي متى يحل عيد غزّة؟

متى تهل فرحة غزة؟

ومتى نتوحد مع غزة؟

أو ليس من حق أطفال غزة  أن يفرحوا وأن يكون لهم عيد؟

ربما تعذر على سماحة المفتي رؤية هلال غزة المضاءة بنيران الصواريخ… ربما تعذر على سماحة المفتي رؤية هلال غزة لأنه ضعيف النظر ولا سيما في اتجاه بيت المقدس. هل تراه يذكر ان القدس محتلة؟
هل تراه يذكر أن رحلة الاسراء والمعراج انطلقت من بيت المقدس؟

هل يستطيع سماحة المفتي أن يحدد نصاب صدقة الفطر في غزة؟
ليتك سماحة المفتي وحدت بيننا وبين شعب غزة…ليتك جعلتنا نقاسمهم الفرحة كما يشاطروننا الفخر عند انتصارهم…كما يقاسموننا شموخهم وشهامتهم… كما يحفظون ماء وجوهنا.

سماحة المفتي هل رأيت دموع الثكالى في غزة ام تعذرت عليك الرؤية وخانتك الرؤيا؟

هل رأيت الطفل يرتدي ملابس العيد وهو شهيد…يلبس الكفن عيدا يا سماحة المفتي؟
أفتنا يا سماحة المفتي، اذا ذهب ماء الوجه وماء الحياء، هل يجوز أن نتيمم بتراب فلسطين أم ان التراب المقدس يحرقنا؟
أفتنا يا سماحة المفتي هل تجوز لنا مشاهدة الدماء، دماء الشهداء في غزة يوم العيد أم هي تعكر فرحتنا؟
أفتنا يا سماحة المفتي هل يجوز ان نصوم مع اخوتنا في غزة ونقاطع العيد معهم أم أن الصوم يوم العيد يفسد وحدتنا؟
أفتنا يا سماحة المفتي أي هلال نعتمد، وأي جرح نداوي وأي دم نحقن وأي شهيد ندفن؟
أفتنا يا سماحة المفتي هل يجوز دفن الشهيد يوم العيد أم نؤجل العيد؟

سماحة المفتي هل في رؤياك ما يشير الى هلال غزة متى يهل بالعيد؟

وهل في رؤياك الصالحة موعد لتتحقق الوحدة العربية والاسلامية لنصرة غزة؟

لمتى تنصر فتواك المظلوم والمقهور وتعاقب الظالم الجاني ؟
سيدي المفتي لا تتعب نفسك فجواب الغير معلن طرق مسامعنا وعلمنا أن الرؤية تعذرت بسبب وأن الرؤى اعتذرت دون سبب.
ناجح الزغدودي

أمنيات مسافر لم يسافر…بداية استكشاف العالم

ربما لست الوحيد، ولكني من بين فئة قليلة من أبناء تونس وتحديدا أبناء القيروان الّذين لم تتح لهم فرصة السفر الى خارج تونس. كانت أول مرة أغادر فيها مسقط رأسي بالقيروان،  بشكل مطول هي تحولي للدراسة  بتونس العاصمة. معهد الصحافة وعلوم الاخبار بتونس الذي اخترت أن أدرس فيهه اختصاصا قربته الى نفسي من بين الاختصاصات الاخرى ومنها المحاماة. فكانت مهنة المتاعب كما نبهنا اساتذتنا وزملاء المهنة الذين تعبوا قبلنا.

في العاصمة مكثت 4 سنوات من سبتمبر 1999 الى ديسمبر 2003. كانت فترة قصيرة ولكن ذكرياتها الطويلة أرهقتني نفسيا وبدنيّا. الظروف المادية والاجتماعية كانت ضعيفة بل صعبة. والدتي المريضة التي تركتها تنتظر العلاج، كانت تحتاج الى دواء اشتريت بعضه لها من المنحة الجامعية التي كنت ادخر منها رغم قلتها ورغم صعوبة العييش في العاصمة. كان المطعم الجامعي اكثر مكان اتردد اليه مع بعض الاصدقاء والزملاء أمثالي الذين جاؤوا من مناطق داخلية. كانت ظروفنا متشابهة ومتقاربة نتنافس على أبسط الامكانيات مثل ثياب جديدة او حذاء عند صرف المنحة.

لم يكن السكن الجامعي مريحا. واكتراء منزل لم يكن افضل حل لمن لا يمتلك ثمن الكراء ومصاريف التنقل. لكن بقيت ذكريات المبيت الجامعي راسخة. كانت امكانية السفر متاحة فقط في الخيال. راودني حلم السفر بالحاح في مناسبتين. الاولى مناسبة قبول طلبة للسفر الى كندا والثانية كانت اصعب وهي فكرة الحت الى ان تركتها وهي فكرة السفر الى العراق ابان الاجتياح الامريكي لارض دجلة والفرات.

ذكريات الدراسة كانت كثيرة. بعضها أليمة. يخفف ألمها خبر النجاح. ينفتح باب الأمل قليلا وتنفرج مع التخرج ثم تعود الغيوب تغشى سماء عاطل عن العمل. خيرت قضاء فترة البطالة في منزل الوالدين بعد رحلة من البحث عن شغل وموقع بين الصحف اليومية. لم يكن لدي معارف او وساطات. اتذكر بعض زملائي ممن فتحت لهم الابواب فتحا وبعضهم فتح هو الباب وبعضهم الاخر خلعه,

اما الاخرون فبقوا خلف الباب في الانتظار. لم اكن اريد قضاء فترات البطالة بلا منحة او مورد مالي وانا في العاصمة. وقد ندمت يومها على شراء ذلك الهاتف الجوال الذي لم استحقه ولكنني اشريته لارضاء نفسي الفقيرة الحزينة. وقد كان يومها علامة الثراء والرخاء.

بعد فترة البطالة وسنوات من تجربة العمل. تأتي فترة تأسيس أسرة جميلة هي أفضل ما في الوجود رغم الحاح المطالب وضغط الظروف. لا بأس كنت أقول دوما لا بأس واحمد الله بما في ذلك على تمطط العمر باتجاه الكهولة. كنت شابا عندما تزوجت. يقول لي الاصدفاء 27 سنة وتتزوج هذا جيد ويقول اخرون مازالت صغيرا. في نفسي كنت سعيدا لانني حققت ثاني هدف بعد الشغل وهو الزواج.

بقي الحلم الثالث. انه السفر. مازال حلم السفر يلح ويراوح بين القرب والابتعاد. وكنت اظن انني عندما استخرجت جواز السفر عام 2005 للمرة الثانية وقمت بتجديده أنني ساغادر تونس باتجاه احدى الدول. يوما طرات فكرة السفر الى كندا مرة اخرى باقتراح من صديق يمر بحالة يأس. رافقتني الفكرة وسيطرت على مداركي. ولكن قرب الزواج حسم الأمر. وأجلت تحقيق الحلم. كما اجلته في مناسبة اولى عند الحصول على شهادة الباكالوريا. وقتها كنت اتوقع ان تفتح ابواب السماء سفرا من اجل الدراسة في الخارج.

سنة 2010 انتهت صلوحية زواج السفر. وجاءت ثورة تونس وثورات الربيع العربي كلها الواحدة تلو الاخرى. وبقي جواز السفر وحيدا بلا صلاحيات سفر ولا تأشيرة.

وبعد 4 سنوات من وحدة جواز السفر قررت تجديد الحلم للمرة الثالثة. جواز السفر يبدو انه أتى بحلم سيتحقق قريبا خلال شهر نوفمر. ساترك الحلم سرا خشية سرقته. في القلب فرحة مترددة وحيرة حول تفاصيل السفر.

لم اركب طائرة ولكنني رايتها مرارا. ولم أركب سوى القطارات لمسافة قليلة اطولها بين تونس وسوسة. ولم اركب المراكب سوى البطاح الرابط بين جربة ومدنين.  لا أعلم ماذا يحدث خارج تونس في العالم سوى عبر الصورة. أحدث نفسي بأنه علي أن أشاهد وأطالع وأحفظ حتى لا أتوه.

تلك بعض أمنيات مسافر لم يسافر.