ابنتي الصغيرة توبخني

كتب ناجح الزغدودي

عندما تقتحم علي هدوء نومي وفيض احلامي عندها ادرك انني في خطر. لست انا في شخصي فحسب بل امثل خطرا على طفلي الصغيرين وصال ومحمد أمين .

تلك الكلمات توقظني وتصرفها رج ذهني. التقاطها الهاتف من يدي وإخفاؤه عني اربكي. في الوهلة الاولى رحت ابحث عنه في اكثر من مكان وعندما يئست عدت ألاعبها بعض الوقت وبسرعة رميت نفسي على الكرسي الذي لم يغادر يوما شاشة الحاسوب وقد جعلته اكثر راحة لتدوم اقامتي عليه ووضعت حشايا تكون من تحتي عند الاسترخاء.

 من حسن الحظ انني انتبهت مبكرا ولم اجن على نفسي  ولا عليهماويلا كبيرا.

ثهوة بنكهة الطفولة

 بعد الوخزة الاولى في يدي سرت في جسمي وخزة ثانية لأنني عثرت على الهاتف تحتي. وقد خشيت ان اكسره لانني هويت عليه بجسمي “الأشحم”. هذا مصطلح افتعله التعبير عن حالتي البدنية التي اصبحت عليها بعد ان تركت رياضتي والمشي.

 ابنتي وصال عمرها سبع سنوات. في القريب ستصبح في الثامنة. اصبحت تصرفاتها تربكني وأحيانا تخجلني من نفسي خاصة وهي تنصحني بالتقليل من الامساك بالهاتف الذكي البارد أو اجلس قبالة الحاسوب الجامد وأنا التمس منه نشاطا فيرد علي بالجمود.

 صحيح انني اسمع لنصيحتها ولكني لا اعمل بها كثيرا ظنا مني انها طفلة صغيرة وأنني أنا أبوها اعرف مصلحتي ومصلحتها ومصلحة البلاد والعالم كله. وأبرر تخاذلي بانشغالي بالعمل وأنني استعمل الانترنيت من اجل العمل وانني لست اضيع الوقت. ويحصل مرارا العكس.

غابت عني حكمتها.

تماديت كثيرا في نظام الفوضى
طالت جلساتي امام الحاسوب
تألمت عيناي
تصلب ظهري من الجلوس
ابتعدت عن اطفالي ومجالسته
لكن الصدمات تتالى على رأسي. آخرها هو حصول ابنتي وصال على بطاقة التحصيل المدرسي (دفتر الاعداد). حينها كنت في تدريب مطول اختتمته بشهادة دوليّة في الصحافة ولكنها اثبتت فشلي الأبوي الى حين تلك اللحظة.

 هاتفتني لتخبرني انها نجحت بتفوق وأنها تريد هديّة. يا الهي ماذا فعلت؟وصال والعروسة

 هدية وصال التي تقترب من الثامنة من عمرها لا تناسب سنها وكبرها وعقلها وبدء نضجها الفكري. طلبت وصال “عروسة في كروسة” وهي “دمية” توضع في عربة وتدفع. اجبت متسرعا “هي كبرت عن هذه اللعبة” ولكن جاءني الرد صادما بأنها دوما تطلب هذه اللعبة وفي كل مرة كنت أقول لها أنها كبرت وأن هذه اللعبة لا تلائمها واشتري لها لعبا وأغراضا اخرى خاصة الكتب ظنا مني انها ستنسى.

 غفرت لي وصال بعدي عنها ولكنها لم تغفر لي اهمال طفولتها وتصنيفها ضمن الراشدين وهي في مرحلة البراءة والحاجة الى اللعب.

 ابناي وصال ومحمد أمين يمنحاني الشعور الطفولي والرغبة في اللعب. ولقد بدأت أتفطن للخطأ الذي ارتكبه ولقد رجعت الى مهدهم للعب معهم. وقررت الابتعاد عما يبعدني عنهما.

وصال ومحمد أمين من الشباك

بعد يقظتي، كان علي طبعا أن أبحث عن “العروسة” وأجلبها لابنتي الصغيرة. كما كان علي ان اجلب لعبة لشقيق وصال الذي يطلب لعبا كثيرة ولا يهمه نوعها وهو ينتظر الطائرة التي حجزت في المطار وتمسكت باسترجاعها ولو بعد حين لانني انا نفسي سألعب بها. وقد فرحت وصال باللعبة.

 وجدت أن هناك نصائح كثيرة تتحدث عن كيفية حماية الاولياء لأبنائهم من الانترنيت. ولكني انا نفسي الاب احتاج الى نصائح. وقد شرعت في البحث عن توصيات عمليّة ووجدت انها تصب في الحماية الالكترونية وحماية الاطفال من العنف والجنس والمخدرات.

كانت وخزات وصال كافية لي لتكون أفضل نصيحة. لقد خجلت من نفسي ومن حسن حظي انني تداركت امري قبل فوات الأوان. عدت للعب مع أبنائي الى درجة أن الجيران انزعجوا من ضجيج اللعب وصعب الضحكات وأصوات القهقة كأنهم حسدوننا والحقيقة اننا تمادينا في الفرح كأنما أردنا أن نبلغ العالم أن التكنولوجيا لن تفرقنا وأن الادمان على الانترنيت ليس أقوى من ادمان المحبّة والتواصل بين أب وأبنائه.

 نتعب ونجد في العمل ونشعر بلذة النجاح والنصر ولكن ضحكات الاطفال تساوي العالم بأسره. عالم الواقع وليس الافتراضي.