الراعي الذي قتلته الذئاب وأخبرت عنه كلابه…في وادي النسيان

* ناجح الزغدودي

تشريح
انتهت عند الساعة التاسعة ليلا من مساء السب 14 نوفمبر عملية تشريع جثة الراعي الشهيد مبروك السلطاني بعد حوالي 3 ساعات من وصولها الى قسم التشريح الطبي لتشريحها. وأكد محمد السلطاني شقيق الشهيد الذي رافق جثة شقيقه ان اسرته قررت قبول طلب الجهات الامنية بتشريح الجثة بعد رفضها في بادئ الامر تشريحها بسبب الغضب والاستياء من عدم تدخل الجهات الامنية والجيش الوطني حسب قوله. وبرر قبوله بأنه تم تحذيرهم من تحمل المسؤوليات القانونية في صورة عدم تشريحها. وقد رافقت سيارة الاسعاف دورية أمية للحرس الوطني بين سيدي بوزيد والقيروان.

 

وأفاد شقيق الشهيد ان شقيقه تم تخديره من قبل الارهابيين قبل قتل وفصل رأسه عن جسده. كما افاد انه تم العثور على جسم شقيقه في نفس المكان الذي قتل فيه وقد كانت الكلاب بالقرب منه واكد انه خافوا من الاقتراب منها في البداية ثم قرروا جلب جسده.

 

وجع المسجد الأقصى يصل الى القيروان…ومسيرة مناصرة

*ريبورتاج مصور: ناجح الزغدودي
انتظمت بمحافظة القيروان يوم السبت 24 أكتوبر/تشرين الاول 2015 مسيرة حاشدة مساندة لانتفاضة الاقصى الفلسطينية نظمتها الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان بحضور ومشاركة هياكله النقابية ومنخرطيه ومكونات المجتمع المدني والسياسي بالقيروان. ورفع خلال المسيرة العلم التونسي والفلسطيني وراية اتحاد الشغل مع شعارات مساندة للقضية الفلسطينية ومنددة بالجرائم الصهيونية.

عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان افاد ان مسيرة المساندة جاءت للتعبير عن الانشغال ازاء القضية الفلسطينية وللتنديد بالجرائم الصهيونية التي خلفت عشرات الشهداء والجرحى. واكد انه حان الوقت لتعود القضية الفلسطينية الى طليعة الاهتمام الوطني والشارع التونسي بعد سنوات من الجمود.

وقد جابت المسيرة جزءا من شوارع مدينة القيروان بشكل سلمي وسط تنوع من المشاركين واختلاف في الشعارات السياسية.

(function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0]; if (d.getElementById(id)) return; js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = “//connect.facebook.net/fr_FR/sdk.js#xfbml=1&version=v2.3”; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);}(document, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));

وفي انتظار تتال يالمسيرات المناصرة للقضية الفلسطينية من قبل المجتمع المدني فان المطلوب اليوم هو تحرك الحكومات لنصرة الاقصى المبارك.

القهوة العربي…وراس الشادلية…وجه قهوتي مشرق

* خواطر ناجح الزغدودي

لا أعرف كم واحدة سكبت في فنجاني وأصبت توقعاتي للشكل الذي ستتخذه. ولكني في كل مرة أسكب القهوة التي أعددتها سواء بالصباح أو بالمساء، أتطلع الى رسمها وخطوها. أفعل ذلك تأملا واشتياقا مثل قارئ فنجان. إنما يقرأ العراف قاعها يائسا بحثا في بقايا أما أنا فأبحث في تفاؤل طلعها في سر صرتها ونكهة ماء الزهر الذي خالطها.

“القهوة بنت الوقت تشرب على مهل” وربما هي عائلة الوقت وخليلة كل رفيق لها.

في كل مرة أعد القهوة لأعهد اليها مهمة ايقاظ الحواس قبل الانطلاق في رحلة العمل والبحث عن الامل، صباحا أو لتكون أنيسة ومسلية بالليل وان أذهبت غفو الجفون، تتراءى الرسوم والخيال ونتوهم عطر الزمن وعرق المجتهد. وأمسك نفسي عن نشر صورة لتلك المؤنسة البهية مثلما يفعل العشاق مع صورهم في الخلوات والرحلات وهمس الحنين.

مع توافر شبكات التواصل الاجتماعي وتهافت المبحرين على مواقعها، تحولت القهوة الى ايقونة ثابتة وفقرة صباحية متجددة على الصفحات. بها تبدأ تحية الصباح الأولى تغازل خيوط الشمس المنسدلة وتختم بها الأمسيات المهفهة النسمات.

بين القهوة الواقعية المنشورة والصور الافتراضية لقهوة مشتهاة، يصير تنافس وتفاخر وتسابق حتى يكاد عشاقها ينظمون لها مسابقة أجمل قهوة او ألذ مؤنسة أو ازكى ملهمة او أعطر خليلة أو أشهى حلم. يا للقهوة وسحرها.

اسمها عتيق ومنشأها ولكن اسمها متجدد وصفاتها. يتحدث عنها الطبيب في زعم فوائد ونفي مضار وتطالعنا شركات الاشهار تتبارى حول المعنى والشعار. صحيح نكهة القهوة تختلف وريح القهوة يختلف وشكل وجه القهوة يختلف وصرتها تختلف ومكوناتها تختلف. ولكن في الاخير هي قهوة واحدة الا من اضاف لسمرتها النقية الاصيلة بياضا لحليب من زمن الطفولة.

لعل القهوة هي التي منعت الحروب ووحدت الشعوب دون ان نعلم نحن البشر عن الحقيقة شيئا وندعي الكثير. لا احد يعلم يقينا من اول من شرب القهوة. والى اليوم بعضنا لا يعرف معاني القهوة.

صمتا، على موجات بعض الاذاعات اسمع قهوة بمسميات لبرامج وفقرات. بها يفتتح الحوار وتلقى تحية الصباح. “هل شربت قهوتك؟” لا شك ان هناك من يسألك يوميا ويحضرها لك من تعود ان يلهمك ويسعفك حتى وان كنت لا تعتني براحتيه وهي تضع القهوة وتضيف السكر. ربما لا تريد سكرا في القهوة وهذا ليس مشكلا…وحدها القهوة قهوة بلا اضافات رشيقة خفيفة مريئة وهي مريرة.

“أين قهوتي”، كنت أطالعها على صفحة الفيسبوك، للباي معز الصحفي الذي يسأل عن قهوته الصباحية. لم اكن اعرفه وعندما عرفت قهوته عرفته. صديقنا المغربي الذي قال ذات مرّة “أنه يحبنا” وهو يلقي لنا الشروح ويضيف لنا المعاني لنتقى الحدث والحديث، قرّر ان يضيف عبارة “سنشوف” لفصيح الكلام ولكنه سرق من الباي معز عبارته “أين قهوتي”. يزين بها صفحته وأنا أتخيل لهجته المغربية الاصيلة وهو ينطق عبارة “قهوتي” من يخبرنا حقيقة، هل القهوة المغربيّة ألذ أم عبارة القهوة بلسان مغربي.

التقطت صورا لقهوتي ونشرت صورا لقهوتي. وقتها وددت لو اني أهدي لمن معي في الصفحة الافتراضية قهوة قهوة…ولكني في الحقيقة شاركتهم روح القهوة وأمل القهوة وسر في تلك الصرر.

للقهوة فنجان مخصوص نحتفظ به…فقط للقهوة. ننقله نحمله معنا يرافقنا بحثا عن قهوة يملؤنا قبل أن نملأه قهوة.

هههه، ها انا أضحك نعم. أذكر أول مرة تعلمت عبارة “دلق القهوة فأل خير”…ههه لا اذكر من قالها ولكنها عبارة خرافية متداولة. لا أريد أن أكون متصوفا في عشقي للقهوة فأبالغ بالقول أن القهوة متفقة مع القدر لتهدي خيرا وتنشر بشرا في ارجاء المكان لمن دلقت له قهوته. ههه الأقرب أنها مواساة يا صديقي الذي يقولها دعك من ذلك. هل تعتقد ان خسران قهوة فيه فأل خير. طير من امامي لا أؤمن بالتطير.

ههههههه تذكرت أمرا آخر غريبا. المعذرة عن الضحكات في حضرة القهوة التي تركتها ترتاح من رحلة النار.

عندما سمعت خالتي تقسم “وراس ها الشادليّة”، وهي تتحدث مع زوجة قريب زوجها، لم أدرك معنى هذا القسم. تعلمنا ان نقسم “والله”، فما حكياة الشاذلية. يومها دفنت حيرتي وأجلت الاستفسار. تحينت فرصة لقاء بيني وبين خالتي تؤنسنا قهوة فسألتها ما حكاية”راس الشادلية” لإخبرتني ضاحكة…هي القهوة. كم هي مرحة خالتي رغم الألم ورحلة الصبر في العاصمة. كنت اشتقال الى العيش في العاصمة ولكني لم اعد افعل. صحيح فيها قهوة لذيذة ولكن القهوة، بكل احترام، لا تصنع الربيع في العاصمة.

“قهوة عربي”

للقهوة جنسيات مختلفة. آخر جنسية سمعتها هي “قهوة أمريكيّة” استضافتني لشربها صديقة قيروانية نحتت لها اسما في العاصمة وفرضت جهدها وحصلت على لقب الذهب. من حسن حظي أنني تعرفت سابقا الى القهوة الامريكيّة من بين انواع القهوة الكثيرة…وألذها قهوة الشوكلاطة. هنيئا للبونديين.

نحن العرب تميزنا القهوة العربي. ربما لأنها يمنية أصيلة وربما لأننا نطبخها نحن العرب بأيدينا. ولأهل الشرق عادات في شرب القهوة منها الطريف ومنها المثير.

في مدينتي القيروان، تمتلئ الشوارع برائحة القهوة حتى تكاد تتعثر من ريحها أو تصطدم بها على كل رصيف. لا تحلو القهوة لبعضنا سوى على الرصيف بمشاهد أنثوية عابرة هي أقرب للتلصص والتحرش بذريعة القهوة.

للأنثى حظها من القهوة، ان نفرها صخب المقاهي الشعبية فتختلي بها في مكان خفي لا اعلم لماذا يسمى قاعة شاي ولا يسمى قاعة قهوة كأن القهوة لا تصلح للأنس والصداقة وخلوة العشاق. ربما هي مصادفة التسميات المستوردة.

في الحقيقة لا ألوم ذلك الموظف الذي غادر مكتبه لجلب قهوة، فهل يحلو العمل ويروق بلا قهوة؟ هل يمكن لنا ان نتحاور ونتخاطب دون خصام، بلا قهوة؟

ههههه لا تسألني عن حكاية “نعطيك قهوتك” أو “اعطيني قهوتي” لأنها قهوة باهظة الثمن رائحتها لا تروق لي وفيها شكوك وتشوبها الشوائب وقد تؤدي الى الحرمان من القهوة الى الأبد.

هل يوجد في الجنة قهوة؟ لم اصادف العبارة في ما تلوت من قرآن كريم. ولكني اذكر أنني كنت اخالني في الجنة وانا في منزل حبيبتي ارشف فنجان القهوة التي صاغتها يمناها وأمني مع كل رشفة، رشفة برشفة ومع رشقة النظرات يمتشق خيالي أجمل حلله…ويذهب بي رويدا مع السنين لأجد رفيقة دربي نفسها قهوة ادمان ومن حولنا وصال ومحمد أمين لا يشربان سوى قهوة الصغار ويتركون لي قهوة الكبار.

كبرت مع تلك القهوة، أقصد مع تلك المرأة التي أحببت منذ الصبى. صغتها أملا رافقني كبر معي لم تتغير نكهتها، هي ذاتها أصالتها. ألم أقل لكم ان القهوة هي بنت العشق، فيها الأمل والصرة تهدينا من سمرتها بياض الحلم وشغف الحياة.

بمرارة القهوة الخالية من سكر الشغل، للبطال قصة مخالفة مع القهوة والمقهى. القهوة عنده قاتلة الوقت تصد قاتلي الاحلام تخفف الوجع وتسكن الألم وتؤنس الوحدة وتشرب مع الصبر رشفة رشفة.

مازلت مع قهوتي…

فيلم “صراع” يثير “أزمة الثورة” في تونس

 القيروان/ ناجح الزغدودي

تحوّل الشريط السينمائي “صراع” للمخرج التونسي المنصف بربوش إلى حدث يشغل الناس بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم الفكريّة، بعد أن كان مستبعدا من الدورة 25 لأيام قرطاج السينمائية ومنع من العرض في تونس بقرار من وزارة الثقافة التونسيّة  في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

كتب الفيلم المخرج حسين المحنوش ومثّل فيه ممثلون محترفون من تونس على غرار صالح الجدي وحليمة داود ولمياء العمري وهشام رستم وصلاح مصدق وعلي الخميري وحسين المحنوش وثلة من الشباب.

https://www.youtube.com/watch?v=6oj8iCOf5Oc

اعتمد الفيلم أسلوب القصّة المحوريّة ليجسم معاناة معارضي النظام السياسي الذي حكم بين 1987 حتى يوم 14 جانفي 2011 من خلال قصة أستاذ سجين وأفراد عائلته من أم وزوجة وأطفال منهم البنت التي كبرت ولم تر والدها،  وفي أثناء تعذيبه في السجن بسبب تمسكه بمواقفه النضاليّة تعيش أسرته التضييق والاضطهاد والقهر والتعذيب ثمنا لتمسكهم بالحريّة. ثم يكبر لأطفال وتتفجر ثورة الشباب في ثورة 14 جانفي 2014.

منذ منعه وطيلة شهرين قام “صراع” بجولة فرجويّة بين عديد المحافظات التونسيّة يشهد اقبالا قيسايّا في دور السينما والثقافة والمراكز الثقافيّة، ليتلقفه جمهور متعطش للسينما وللحقيقة. وتحوّل عرض الفيلم إلى حدث يشغل الرأي العام ويولّد النقاشات.

جدل ايديولوجي مستمر

في محافظة القيروان (وسط) تعهّدت جمعية مدنيّة مستقلّة تدعى “الشباب يريد”، وهي جمعية مدنية وثقافيّة، باستضافة فيلم “صراع” ومخرجه وبطلي الفيلم صالح الجدي وحليمة داود. وكان ذلك بمناسبة احياء الذكرى الرابعة لثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011 وكذلك ليس ببعيد عن ذكرى أحداث ثورة الخبز في 3 جانفي/كانون الثاني 1983 في زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (الحزب الاشتراكي الدستوري) التي شهدت محافظة القيروان أطوار مؤلمة ومقتل مناضلين وسجن وتعذيب ناشطين من الشباب التلمذي بمعهد المنصورة وسياسيين. وقد تضمن الفيلم مشاهد منها باعتماد أسلوب الومضة الورائيّة لبطل الفيلم نظرا لكونها مرحلة انتقاليّة بين نظامين تمهيدا لطرح النواة القصصيّة للفيلم في فترة حكم التجمع الدستوري الديمقراطي.

فيلم صراع يثر الجدل بعد منعه

فيلم صراع يثر الجدل بعد منعه

قبل العرض قال رئيس الجمعيّة زياد الجهيناوي إنّه يخشى ضعف الإقبال لكن حصل العكس ونفذت التذاكر المخصّصة بقاعة العرض بالمركب الثقافي وسط المدينة. وهو يتسع لما بين 800 و1000 متفرج.

الضجة التي حصلت عند الدخول بسبب الرغبة في الحصول على مقاعد، كانت ملفتة. استطاعت لجنة التنظيم تأطير الجماهير المتدفقة في ظل غياب أعوان الأمن.

انتفاضة في قاعة العرض !

 

وتواصل الضجّة حول الفيلم قبل عرضه داخل قاعة العروض بسبب التراشق بالشعارات والأناشيد بين أنصار “الاتحاد العام التونسي للطلبة” من جهة، وهو نقابة طلابيّة (مستقلّة) أنشأت سنة 1985 وتوصف من قبل منافسيها بكونها ذات توجه يميني. ومن جهة ثانية كانت هناك هتافات لأنصار فصيل الجبهة الشعبيّة الطلابي ذو التوجه اليساري. وهو تجاذب يحاكي الصراع الفكري في الجامعة ولدى الطبقة السياسيّة. ولم تقطعه سوى مشاهد الفيلم التي جمعت معاناة مناضلين سياسيين من اليمين واليسار والنقابيين والحقوقيين داخل الفيلم.

أحدث الفيلم إيقاعات راوحت بين “التصفيق” إعجابا ببعض المضامين خصوصا مواقف الشخصيات المناضلة صلب الفيلم والشخصيات المساعدة، أو تنديدا بمشاهد قاسية من القمع والتعذيب والتنكيل والخيانة. ولم يخف بعض من شاهد الفيلم تأثره وآثار عبراته.

كاد الفيلم يتحوّل الى مسيرة رفعت فيها شعارات ثورية على ايقاع شعارات الثورة التي مثلت أملا مشرقا بعد ظلمة دامت أكثر من عقدين وانفراجا بعد معاناة طويلة. وقد رفع شق من الجمهور شعارات “يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب” وضجت قاعة العرض بشعارات مناهضة لحزب الأغلبيّة الحاكم حاليا على مسوى رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة وهو حزب نداء تونس التي يضم في صفوفه قيادات شاركت في النظام السابق الذي تحدث عنه الفيلم وذكروا أسماء منهم الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي. خصوصا وأن عرض الفيلم كان بمناسبة ذكرى الثورة التونسيّة التي يعتقد كثيرون أنها لم تحقق أهدافها سواء على الصعيد السياسي أو الحقوقي أو الإجتماعي.

هذا ما حصل

الامن متورط في تعذيب السياسيين

“فيلم أعاد لنا زخم الثورة المفقود وإحساسنا بالوطن رغم بعض النقائص المتمثلة في اختصار العديد من الاحداث وعدم الكشف عن العديد من دواليب النظام البائد لكنها تبقى محاولة جيدة جد” يقول محرز القاسمي.

أمّا نور الدين الجهيناوي فتحدث  بصفته سجين سياسي سابق (حركة النهضة) وهو معلّم عاش نفس معاناة الأستاذ في الفيلم خصوصا علاقته بأبنائه وقال الجهيناوي ان ابنته كانت تحتضنه أثناء مشاهدة الفيلم وهي تبكي متأثرة بالمشاهد وتسأله هل حصل معك نفس الشيء”.

الى جانب الشهادات الحيّة التي قدمها بعض الحاضرين عن التعذيب داخل السجون وتأكيدهم أن المعاناة أكبر من ان توصف ويختزله الفيلم، احتج بعض أنصار الأحزاب اليساريّة على تهميش نضالات اليساريين واختزال النضال في شخصيات اسلاميّة. حيث انتقد الشاب عمد بن خود (ناشط سياسي ومدني) ما وصفه بتعمد اسقاط المخرج لنضالات رفاقه في اليسار وما قدموه من شهداء واتهم المخرج بالانحياز.

مخرج “صراع” المنصف بربوش دافع عن فكرته بالقول إنّ الفيلم يتحدّث عن أحداث فرضتها علاقة المحيطين ببطل الفيلم “الأستاذ”. وأنّ جميع الأطراف المكونة للمعارضة السياسيّة كانت حاضرة من يساريين ونقابيين وحقوقيين. لكنه لم يخف انحيازه بالقول “هذه فكرتي وأنا أصوّرها كما أشاء ومن لديه فكرة أخرى فهو حرّ في تقديمها بالشكل الذي يريد”. يقولها بحزم أقرب للغضب.

من أجل حق الإبداع

 المخرج بربوش أفاد لمدونة تكروان  “إن الثورة التونسية ألهمت العالم بالنضال من أجل التحرر والديمقراطية” مضيفا أن “تونس تسير على خطى التمكين وتحقيق أهداف الثورة”. واعتبر الحضور الجماهيري الكبير لمشاهدة الفيلم “خطوة حثيثة من أجل حق التعبير والحرية والفن الراقي”. وقد ندّد بمنع عمله من العرض منذ أشهر بسبب حسابات انتخابيّة معتبرا أنها عمليّة ضد حريّة التعبير والابداع.

من الناحيّة الفنيّة اعتبر زهير وهو مواطن من القيروان أنّ أوّل ما يلاحظ في الفيلم مخالفته لنوعية المواضيع التي طغت على السينما التونسية التي لم تخرج من الحمام ومواضيع الكبت الجنسي. واعتبر أنه فيلم صراع “نظيف” ويسمح بمشاهدته من قبل أفراد العائلة دون حرج. داعيا إلى الى دعم وزارة الثقافة لمثل هذه الأفلام والتخلي عن الارتهان للخارج في دعم الانتاج مقابل مواضيع مسقطة.

عدالة انتقاليّة؟

تعرض فيلم صراع إلى التعذيب داخل السجون، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم. لكن مسار العدالة الانتقاليّة تعطل حسب محمد الهادي المستيري، عضو الجمعية الدوليّة للدفاع عن المساجين السياسيين. وقد حضر العرض نوّاب من البرلمان التونسي عن حركة النهضة ووجهت إليهم دعوات لمواصلة لتفعيل ملف العدالة الانتقاليّة.

معز العيفاوي، سجين سياسي قدم شكاية قضائيّة من أجل محاكمة 10 أعوان أمن اتهمهم بتعذيبه. وقد وجه قاضي التحقيق تهمة التعذيب لهم ووجه لهم استدعاء من أجل الحضور لكن 6 مشتكى بهم فقط من ضمن 10. وهم أعوان امن من رتب مختلفة منهم من احيل على التقاعد ومنهم من يشتغل بمناصب عليا, وقد حضر  المكافحة اطار سامي بوزارة الداخليّة (في العقد السادس)، كان يشتغل بفرقة الشرطة العدليّة بالقيروان خلال ايقاف الشاكي سنة 1992. وقد استمع قاضي التحقيق الى المشتكى به وتم اجراء مكافحة بينهم وبين الشاكي. وأفاد الشاكي انه واجه المشتكى به بالوثائق والشهود الذين سبق لقاضي التحقيق تحرير شهاداتهم.

ويعد الشاكي معز العيفاوي (40 سنة)، أوّل سجين سياسي في القيروان يقدّم شكاية عدليّة ضدّ من يتهمهم بتعذيبه. وينتظر اختتام التحقيقات لإحالة الملف الى دائرة الاتهام بسوسة ثم الرجوع الى الدائرة الجنائيّة بالقيروان.

في عيدها الرابع، التونسي يراقص الثورة بقفة فارغة

* ناجح الزغدودي

يوم 14 جانفي/كانون الثاني 2015، استعاد الشعب التونسي ذكريات ثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011. فقرر الاحتفال بمرور أربعة أعوام من الثورة التي شهدت تقلبات سياسيّة واجتماعيّة وتغيرات كثيرة على الصعيديالسياسي والاجتماعي والاقتصادي.

في هذا الاحتفال حضرت الخطب السياسيّة والمطالبة بقتلة شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ومطالب اجتماعيّة أخرى منها التشغيل وتحسين القدرة الشرائيّة. وقد كانت قفة المواطن الفارغة حاضرة تبحث عن سبل ملئها في ظل ارتفاع الأسعار. وفي النقل التالي قمنا برصد عديد الآراء والصور والتصريحات.

عائلات تحتج على وضعها الاجتماعي

عائلات تحتج على وضعها الاجتماعي

بالقرب من تظاهرة نظمها حزب التحرير بتونس قرب مبنى وزارة الدّاخليّة القائمة بأسرارها العميقة في قلب شارع الحبيب بورقيبة، وقد كانت تدعو الى الخلافة ويؤكد ناطقها الرسمي بقرب تحققها، كان كهل في العقد الخامس يستعين بعكازين من أجل الوقوف وهو يرفع قفّة من السعف كانت فارغة.

حمل قفة فارغة تعبر حسب التراث التونسي عن عدم القدرة على شراء الحاجيات نتيجة عدم توفر المال. وتعبر عن الفقر والمشاكل الاقتصاديّة. ويستعمل مصطلح “قفة المواطن بشكل متواتر في تصريحات وسائل الاعلام وفي تصريحات السياسيين خصوصا بعد الثورة في خضم التجاذبات.

خبز في شارع الحريّة

يبادر صاحب القفة بالقول إن سبب خلو قفته من المواد الغذائيّة هو “حمّه الهمامي” مرشح الانتخابية الرئاسية للجبهة الشعبية مشيرا الى كثرة حديث الهمّامي عن “خالتي مباركة”. معتبرا أنه بعد الانتخابات بقيت الوعود ولم يتحسن وضع المواطن الفقير. كما تحدث صاحب القفة عن اعاقته وعدم توفر مورد رزق لديه.

في هذا الشارع خرج الالاف واسقطوا النظام بعبارة ديقاج

في هذا الشارع خرج الالاف واسقطوا النظام بعبارة ديقاج

سيدة أخرى كانت تعلق في أعلى هراوة قفة يزينها العلم التونسي الأحمر. وكانت القفة مقلوبة الى الأسفل في إشارة لكونها خالية. كانت صاحبة القفة تحتج أمام قصر المسرح البلدي بجوار وقفة احتجاجية لاتحاد المعطلين عن العمل. وكانوا بدورهم يتحدثون عن البطالة والفقر وارتفاع الأسعار. وتحدثت المرأة من جهتها عن مشاكل ارتفاع الأسعار مقدمة عينات من الأسعار التي بلغت حدّا أقصى خصوصا خضر البصل والبطاطا والحليب واللحوم وارتفاع الكهرباء والماء وغيرها من تكاليف الخدمات.

قفة المواطن فارغة

الخبز يساوي الكرامة

عندما خرج جزء من المواطنين في الحراك الإجتماعي احتجاجا على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي سقط يوم 14 جانفي، كان هناك شعار وحد المحتجين من الشمال الى الجنوب وهو “خبز حريّة كرامة وطنيّة”. ثم تدرجوا في الاحتجاج بشعار “خبز وماء وبن علي لا” في تعبير عن الصبر والتحمل من أجل تحقق الثورة.

فقد رفع مواطنون رغيف الخبز في الاحتجاجات أيام الثورة خصوصا بين 10 و14 جانفي 2011، في شارع الحبيب بورقيبة والذي تحول اسمه الى شارع “الثورة” وتحديدا قبالة وزارة الداخليّة التونسيّة كان هناك من يحتج وبيده رغيف خبز. يومها كانت العائلات الفقيرة والمعوزة تئن تحت خط الفقر وتحترق بلهيب الأسعار مقابل حياة مترفة لفئة قليلة من رجال الاعمال وأصهار الرئيس المخلوع التي تتحكم في المال والأعمال ودواليب التجارة الرسميّة والموازية وخصوصا استيراد الموز.

 

يومها كان رغيف الخبز أكثر من شعار. رفع أمام وزارة الداخليّة. مثلت به اداة الرشاش تحاكي رشاش قوات الأمن والقناصة المتهمين بقتل شهداء الثورة الذين فاق عددهم 300 شهيد دون التعرف الى هوية القاتل. وقد كان من يحمل الخبز تبدو عليه مظاهر الفقر. وهذا علاوة على رمزية رغيف الخبز التي تعود الى ثورة أحداث الخبز في 3 جانفي1983.

الخبز سلاح اجتماعي يسقط السلطة

الخبز سلاح اجتماعي يسقط السلطة

ثورة الخبز؟

بعد 4 سنوات من الثورة عادت المطالب الاجتماعيّة لتحول فرحة الاحتفال بعيد الثورة الى مرارة. “الثورة لم تتحقق بعد والمواطن الفقير هو الخاسر الأكبر”.

غاب الخبز عن الاحتجاجات في عيد الثورة 4

غاب الخبز عن الاحتجاجات في عيد الثورة 4

ورغم أنه لم يرفع رغيف الخبز في الاحتجاجات وعوضته القفّة، فإن الخبز كان حاضرا لكن للبيع من خلال عرض أرغفة خبز تقليدي يعرف في تونس ب”خبز الطابونة” وهو خبز تقليدي.

بيع الخبز في شارع الحبيب بورقيبة

بيع الخبز في شارع الحبيب بورقيبة

وقد كان كهل يتولى البيع في نقطة أولى قرب منصة احتفاليّة لحركة النهضة التي بدت سعيدة بالدستور والانتقال الديمقراطي وفق تصريحات ممثلها عبد الكريم الهاروني وزير النقل السابق.

وقال بائع الخبز إنه بيع الخبز هو مورد رزقه وتحدث عن صعوبات اقتصادية ناجمة عن ارتفاع الأسعار لكنه بدا متفائلا بالمستقبل رغم تأكيده أن الثورة استفاد منها “قلة من الشخصيات السياسية والانتهازيّة”.

بدل الاحتجاج بالخبز هناك بيع للخبز

بدل الاحتجاج بالخبز هناك بيع للخبز

ونقطة بيع الخبز الثانية قرب مجموعة من السيارات الأمنية التي كان أعوانها مدججون ومنتبهون لكل الحركات كأنهم ينتظرون أوامر أو تعليمات بالتدخل. وكان هناك شاب يبيع خبزا في شكل اقراص قطرها أكبر من الحجم المتعارف عليه وكان سعرها مضاعفا للاحجام المتوسط العاديّة. وكان يبيع الخبز شاب تحدث عن تجربته في العمل بمخبزة، كما أشار إلى ارتفاع أسعار المواد الأوليّة وهو ما دفع  أصحاب المخابز الى ارتكاب بعض التجاوزات.

سياسات خاطئة

يعتقد مهدي الجلاصي الناشط المدني والسياسي أن المواطن الفقير تضرر من سياسة الدولة التي لم تتجه نحو الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وقال بعد 4 سنوات من الثورة الحكومات لم تسع الى التخفيف في الاسعار. وفي المقابل ارتفعت الاسعار وتدنت الاجور. وتدهورت القدرة الشرائية بشكل كبير لفئة المواطنين وارتفعت نسبة المواطنين.

وهو نفس الموقف الذي عبر عنه عضو باتحاد أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل مشيرا الى أنه بعد 4 سنوات من الثورة بقي المعطلون في آخر اهتمامات الحكومة التي شهدت تنازعا على السلطة. وأشار الى تزايد نسبة الفقر والاجتماعية.

 أزمة الفقراء تتفاقم

تعاقبت على السلطة منذ 14 جانفي 5 حكومات وقتية. منذ خطاب المخلوع بن علي واقرار خفض سعر رغيف الخبز المدعوم من الدولة بين 190 و230 حسب الحجم، لم يتغير سعر الخبز. ولكن أسعار عديد المواد الاستهلاكيّة ارتفعت خصوصا المدعومة بعد قرار الرفع التدريجي للدعم وهي آلية اقتصادية اعتمدتها حكومة مهدي جمعة التي استلمت الحكم في ديسمبر 2014، وهذا في اطار شرط من صندوق النقد الدولي الذي فرض شروطا منها رفع الدعم وايقاف الانتدابات في السلك العمومي.

بعد صبر طويل اصبح المواطن التونسي لا يجد العبارات للنطلق

بعد صبر طويل اصبح المواطن التونسي لا يجد العبارات للنطلق

رغم التحسن النسبي لأجور الموظفين فإن القدرة الشرائيّة واصلت التدني وبلغت حدتها مع بلوغ الدينار التونسي أدنى مستوياته مما تسبب في تضخم مالي. لكن العائلات المعوزة لم تحصل على مساعدات ولا على موارد رزق. وقد كان الانتداب في العمل الهش ضمن آليات الحضائر والآليّة 16، فرصة ضئيلة لا تسمح بتحسين ظروف جميع العائلات من خلال مرتب لم يبلغ الأجر  الأدنى الفلاحي ولا الصناعي “سميق”.

غياب الخبز عن الاحتجاجات ربما يعود الى تطور اشكال اخرى للاحتجاج مثل اللافتات والكتابة والتصوير، وليس لأن ظروف المواطنين تحسنت. وأكد الحزب الجمهوري في مسيرة نظمها بمناسبة الاحتفال الى ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعيّة. ولكن يبدو ان أكثر العائلات بدأت تتجه الى أساليب أخرى لكسب قوتها سواء مخالفة القانون أو التسوّل.

شاهد المرأة المتسولة ماذا تقول

مواطنون درجة ثانية من الكرامة بعد الثورة

كتب ناجح الزغدودي من تونس

MARفي مدينة القيروان وفي عديد الأماكن العمومية، يلاحظ المواطنون وزوار المدينة وجود مواطنين في أوضاع غير إنسانية: على الرصيف يفترشون الأرض ويتلحفون السماء أولئك هم المشردون. يلتمسون طعامهم من الطريق لا رعاية ولا متابعة ولا تغطية اجتماعية، مسنون من النساء والرجال.

نظرات بين العطف والشفقة ومساعدات تجود بها بعض الأيدي. مساعدة ظرفية قد تساعد على تجاوز حاجات ظرفية لكنها لا تفي بالغرض. فاقدون للسند والرعاية الاجتماعية والصحية، بعضهم يستعطف الناس لقمة وبعضهم يهيم على وجهه على غير هدى كمن فقد عقلهم. ولعل بعضهم هو كذلك.

قرب إدارة الكهرباء بالقيروان، لفت انتباهنا شيخ مقعد كدست من حوله أدباش وهو لا يحمل من الملابس أي خرقة وبقربه كرسيه المتحرك والناس من حوله يسألونه عن هويته وعن أسرته فيجيب بتمتمات غير مفهومة.

مشرد

مثل هذا المسن المشرد كثر شاهدهم المواطن وعطف عليهم وبعضهم التقط له صورا. وهؤلاء ينتشرون أمام المؤسسات العمومية وأمام المساجد منهم من يتسول ومنهم من هو هائم على وجهه يحمل على ظهره هموم الحياة في شكل كيس مليء بالملابس ومما جمعت يديه بشكل أشبه ب«سيزيف» الأسطورة الذي يحمل على ظهره حجرا. ويحمل بعضهم كتبا ويمشي حافي القدمين بين المقاهي والأسواق. منهم من يضايق الناس ومنهم من يثير عطفهم فيساعدونه.

وتنتشر في شوارع القيروان حالات من البشر يهيمون على وجوههم حفاة يتجولون بين المقاهي يستجدون الناس عطفهم. ومن بين هذه الحالة، تلك المرأة التي تداولت صورتها مواقع التواصل الاجتماعي. نشرتها شخصيّا وتفاعل معها الناس بشكل متفاوت بين الشفقة والقسوة. كانت تنام أمام المستشفى لساعات. أخبر رواد موقع الفيسبوك في تعاليقهم أن لديها أسرة وأنها تتعمد الهرب من أسرتها وتبيت في الشارع وتهيم على وجهها. ربما تحتاج الى رعاية صحّية أو رعاية خاصة.

وقرب جامع الفتح بالعاصمة، افترش مسن حشية على الأرض واستغرق في نومه بعد جهد من التجوال بحثا عن لقمة العيش. سبيل هؤلاء في الحصول على القوت هو التسوّل.

ظروف قاسية قد تكون ألقت بهم في متاهة الحياة. أغلبهم يواجهون ظروفا صحية صعبة على المستوى الذهني والنفسي. ورغم أنهم لا يشكلون خطرا على الناس في الغالب، إلا أنه وجب توفير الإحاطة الاجتماعية لهم والرعاية الصحية.

هذه الظاهرة تفاقمت في القيروان ووجب على المجتمع المدني والسلط الجهوية التدخل لحمايتهم. بقيت مسألة أطفال الشوارع التي يجب إيلاؤها الاهتمام اللازم من قبل مندوبية حماية الطفولة لأن الظاهرة تتفاقم وهؤلاء احترفوا التسول ويتم استغلالهم من قبل أطراف خفية تحركهم ثم تسلبهم كرامتهم. ووجب على المؤسسات الحكومية التدخل لرعايتهم سواء عبر إدارة الشؤون الاجتماعية أو إدارة الصحة أو مركز رعاية المسنين أو الجمعيات الأخرى.  .

غياب مراكز الايواء

LOU

ما قبل ثورة 14 جانفي 2014،  كانت هناك في محافظة القيروان، لجنة جهوية مكلفة بمكافحة التسول والتشرد مشتركة بين الشؤون الاجتماعية والأمن حيث يقومون بحملة ويتدخلون لمساعدة الحالات التي تتطلب مساعدة وبين أنه بعد الثورة لم تعد هناك أية حملات لمكافحة التشرد. وقال أنه كان يتم التنسيق مع مركز رعاية المسنين ويتم إيواء فاقدي السند من بين المشردين. وقال المسؤول أن عددهم اليوم أصبح كبيرا ومركز رعاية المسنين يحتاج إلى توسعة. وأكد أن الحل يكمن في إحداث مركز لإيواء المشردين وخصوصا منهم المعوقون وتوفير المختصين بالرعاية. وبخصوص الأطفال المتسولين فقد بين أن معظمهم يأتي من خارج ولاية القيروان ودعا إلى التصدي للظاهرة والا ستستفحل. وأشار إلى وجود مركز الطفولة بحفوز الذي يتم التعامل معه بالتنسيق مع مندوب حماية الطفولة.

هي ظاهرة استفحلت نتيجة قسوة الحياة وسرعة النمط الاقتصادي وتوحش الرأسمالية. لكن لا شك أن الأبعاد الانسانية وروح التآزر مازالت متوفرة في الناس لكنها لا تخلو من الشفقة.

وفي تونس التي عرفت ربيعا عربيا تحت مسمى الثورة، ثورة الكرامة، وجب على مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع المدني أن تتدخل للمساعدة عبر الاحاطة والتأهيل ولم لا الاقامة والتكفل بالايواء والاعاشة والتنسيق مع عائلاتهم والجهات الاجتماعية والقضائيّة.

حتى لا تهان كرامة الانسان وحتى لا يضطر المضطربون نفسيا والمعوزن الى بسط اليد بالتسوّل، وجد حفظ كرامتهم وتوفير موارد رزق قارة ورعايتهم صحيا واجتماعيّا.

حلم امرأة سرق الزمن الذكوري حلمها   

كتب ناجح الزغدودي

 خبز

 في زحام الضوضاء وتلاسن الغوغاء حول موضوع المراة، هل هي نصف المجتمع أم فقط موضوع تناصف انتخابي. وعلى ايقاع مناصرة القضايا الحقوقيّة للمرأة أردت أن أدلي بدلوي.

 أتركوا المرأة في حال سبيلها فهي عزيزة كريمة محترمة…تحدثني نفسي العاشقة لثلاث نساء اجتمعن قدرا في قلبي.

هن لا يتساوين ولا يتشابهن. فأمّي الّتي زرعتني وسقتني دموعا ودما خالص المحبّة، هي أمّي لا مثيل لها يشبهها من دون العالمين نساء ورجال. وزوجتي التي زارت قلبي وخيرت المكوث فيه، هي زوجتي لا تحتاج الى تعريف ولا تشبيه. أمّا ابنتي فهي قطعة منّي وشجرة تكبر بين ضلوعي أشتاق الى زهرها. وثلاثتهن حوّلن قلبي إلى حديقة.

مع إيماني بأنّ الأنثى لا تحتاج الى ضدّ لتعرف ولا الى نجاح استثنائي يظهر مهارتها. لأنها وهي مبدعة فهي أنثى. وهي محلّقة في الفضاء أنثى. وهي طبيبة بلسم للجراح أنثى تداوي قلب العاشق بنفس الدّاء.

 لا يفترض أن أكتب شيئا عن المرأة وحق المناصفة والتناصف أفقيّا وعموديّا. ولست أفهم التناصف. أنا من هواة تسمية الأشياء بمسمياتها. الطبيب طبيب لا يميز بينهما المريض في الجنس. والمهندس مهندس لا تحتاج البناية للتعريف بالهويّة. والفلاح فلاح، لا تحتاج الأرض إلى شرح للنوع الإجتماعي…وقس على ذلك ما تشاء.

 امراة

قصص المرأة التي تظلم وتحرم كثيرة. وطالما أنّه أصبح عليّ لزاما أن أخوض معكم في الموضوع فهذه مساهمتي. فأنا لا أريد أن يفسّر تفكيري الباطني على غير محلّه.

جانب من معاناة امرأة أعرفها…امرأة قائدة وسط قطيع الذئاب. هي تقول يكفي ظلما وتهميشا…أنا المرأة لا ناقصة.

نعيمة العويساوي سائقة سيارة أجرة، تاكسي، هي صورة غير عاديّة للمرأة في القيروان وفي تونس. جاءتني يوما مستنجدة باحثة عن داعم لها ومساند لتحصل على حقها وتنال حظها من براثن الذئاب…أعضاء النقابة المتغوّلون منذ عهود قديمة. استنجدت بصحفي يبلغ نداء استغاثتها. وهي ترى نفسها في الأخير إمرأة.

 لا تستحضر، نعيمة أنوثتها وهي جالسة على كرسي قيادة سيّارة التّاكسي. فهذه المهنة تتطلّب القوّة والصّلابة وقد استفادت من تدريبات رياضة الدّفاع عن النّفس لتغيّر النّظرة إلى الجنس اللّطيف وتجعل يديها متوازنة على المقود ومع ذلك فهي غير مستقرّة في عملها.

 الإنفلات الأمني وأحداث العنف جعلت أرباب سيّارات التّاكسي يخشون تشغيلها، لكونها إمرأة. لكنها استطاعت أنّ تذهب عنهم الحزن والمخاوف.

 فنعيمة هي ثاني إمرأة تمتهن سياقة التاكسي، وهي مهنة لا تزال في القيروان حكرا على الرّجال. حيث ينشط فيها أكثر من ألفي رجل.

حلم قيادة السيّارات، وخصوصا سيارات القوّة والسّباق، قديم لدى نعيمة وروادها قبل أن تنشغل بحرفة الطريزة والخياطة والرّسم، وهي هويات أتقنها واشتغلت بها كما تعلّقت برياضة “التايكواندو” وحصلت على حزام أسود.

 شغفها بالقيادة، استحوذ على اهتمامها وكان أكثر من هواية، بل مورد رزق لها ولأسرتها الّتي تعيلها.

تبتسم نعيمة وهي تستقبل حرفاءها كأنّها تريد أن تبثّ في نفوسهم الاطمئنان، حرفاءها من النّساء والرّجال. لا تختلف معاملتها للجنسين، وتهب هدوءها لحريفاتها من النّساء عند مجاورتها في المقعد الأمامي، وتقنع رجلا خاصم زوجته الّتي افتكّت مقعده الحصريّ.


قليلة الكلام، لكنّها كثيرة الإلحاح على حقّها الّذي ترى أنّه سلب منها في زحام المتكالبين على التراخيص والمسمسرين بالبطاقات المهنيّة.

 تحتفظ في سرّها بهموم كثيرة، تحكيها لمن يعرفها وتعرف أنّه قادر على مساعدتها أو تبليغ صوتها. أوّل همّها الحصول على ترخيص لسيّارة أجرة لتكون صاحبة سياّرة أجرة. وثانيها حسن كفالة أبناء شقيقها الّذين هم في كفالتها.

 في ذكرياتها الّتي تعبّر عنها، والدها الّذي توّفي مريضا ولم تستطع توفير الدّواء له ورابعها حياتها الخاصّة وهي الّتي تجاوزت الأربعين من عمرها ولم تتزوّج.

مضت 18 سنة منذ تحصّلها على رخصة سياقة التّاكسي في اختبار مهني. وهذه الأقدميّة، تمّ تجاهلها مرارا عند إسناد الرّخص. وتقول إنّها ظلمت وهضم حقّها وهي لا تزال تنتظر دورها في الحصول على رخصة التّاكسي، لتستقل بذاتها وتحصل على حرّيتها، وتعيل أسرتها باقتدار، وتحقّق حلمها الّذي قدّمته على صناعة الزربيّة والطّريزة. 

حلم الزواج الّذي يراود كل امرأة ورجل بلغ النضج النفسي والجنسي والاجتماعي، تجاوزها ولم يعد يراودها.

naima

تفرّغت لكفالة والدها قبل وفاته بمرض السّرطان ورعاية أشقّائها وعندما فرغت منها انتقلت إلى مسؤوليّة أخرى وهي العناية بوالدتها المسنّة بالتّوازي مع كفالة أبناء أخويها العاطلين. فموقعها المتقدّم في ترتيب الأبناء، حمّلها مسؤوليّة ثقيلة، واعتبرته واجبا مقدّسا. فكانت النتيجة هي سرقة شبابها.

تنطلق منذ السّابعة صباحا، تنظر دورها للعمل على سيّارة التّاكسي الّتي هي على ملك رجل مثل باقي الخمسمائة تاكسي الباقية في القيروان، وتعود بعد ساعات العمل، قنوعة بما حصلت عليه غير ساخطة ولا متوتّرة من ضوضاء حركة المرور الكثيفة وسط مدينة القيروان.
همّها الوحيد الّذي تعيش على أمل تحقّقه هو أن تسند إليها رخصة التّاكسي. وترى أنّ طبعها الهادئ الخجول جعلها تفقد الأولويّة في عالم سيطر عليه الرّجال ونخرته الحسابات والمحسوبيّة والتّجاوزات. ومع ذلك فهي تخجل من ذكر من سلبها حقّها بسوء أو اتهامه برشوة أو تلاعب.

فرحتي وزفافي هي يوم حصولي على رخصة التّاكسي”، وتعتبرها باب واسعا لحياة جديدة تكون فيه سيّدة نفسها ومعيلة أسرتها ومشغّلها لآخرين.
لا تفارق نظراتها الطريق المزدحم أمامها. ومع إشارة الحريف، تتوقف جانب الطريق في هدوء يحتاج الطّريق إلى مثيله، تهدي حريفها بسمة الثقة، ثم تنساب سيّارتها بين الزحام وتغيب قبل أن تعود إلى والدتها المريضة يستقبلها أبناء إخوتها فتغمرهم بعطف أشبه بعطف الأمومة، الّتي تاهت وسط الزّحام والمسؤوليّة.