القيروان: للمياه لون ورائحة…ومضار صحّية!

تونس القيروان ناجح الزغدودي

تشتهر محافظة القيروان وسط تونس بكونها غنية من حيث الموارد المائية العذبة. وانا كثيرة العيون ومياهها ذات جودة عالية. ولكن في الواقع هناك مشكلات بيئيّة وصحية كثيرة تفسد الافتخار بهذا المخزون الحيوي.

فقد كشف مراقبون بمصلحة حفظ الصّحّة بالقيروان، أنّ خزّانات المياه تابعة لشبكة الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه، وأخرى تابعة لمندوبيّة الفلاحة ملوّثة، وقد تسبّب بعضها في أمراض جرثوميّة، على غرار  مرض ”البوصوفير” وهو مرض جلدي معدي.

هذا ما حصل بقرية أولاد العيساوي الرّيفيّة بمعتمديّة حفوز، بالقيروان. وقد تم حينها إخضاع 30 طفلا إلى التّحاليل الجرثومية فأثبتت أنهم يعانون جميعا من الالتهاب الكبدي.
كما بيّنت تحاليل جرثومية أنّ مصدر هذا المرض هي مياه الشرب بخزان المجمع المائي بالمنطقة ومن المياه الراكدة. وقد تمّ إخضاع المرضى إلى الفحوصات والعلاج إلى أن تعافوا جميعا.

_DSC0103
مرض «البوصوفير» كان يُعالج تقليدياّ ووفق الذاكرة الشعبيّة والطبّ البديل، ببئر “سيدي إبراهيم الزّهار” الذي نسجت حوله أساطير وحكايات كثيرة، فيقصده المصابون بـ«البوصوفير»، ويقبلون على التّداوي بمياهه معتقدين أنّها “شافية ومباركة”، الى ان اثبت التّحاليل الجرثوميّة عدم صلوحيّة ماء ذلك البئر، ليس للشرب فقط، وإنّما أيضا للاستحمام. أمّا الصّدمة الثانية فهو اكتشاف أنّ المياه الّتي تّوجد في البئر وتستعمل للتّداوي، ليست مياه نابعة من البئر لأنّ المائدة المائيّة ناضبة. وهذا الأمر كان كافيا لإغلاق المحطة الاستشفائية.
الدّكتور طارق البرهومي، كاهية مدير مكلف بمصلحة حفظ الصّحّة، أفاد أن ما رُوّج عن قدرة مياه البئر على علاج “البوصفير”، ضاعف عدد مرضى الالتهاب الكبدي وتسبّب في تعكير حالاتهم الصحّية ونشر العدوى.
للماء لون ورائحة
يتعلّم التلاميذ في المدارس، أنّ الماء الصالح للشرب لا طعم ولا رائحة ولا لون له، ولكن ماء “صنداج” منطقة الحسيان بالقيروان، “يحتوي على مكوّنات فيزيائيّة غير طبيعيّة تجعله غير صالح للشرب”، حسب الناصر الماجري رئيس مصلحة حفظ الصحّة بالقيروان.
ويضيف أنه يخرج من منبعه وله طعم ولون، وعندما يصل إلى الخزّانات تصبح له رائحة كريهة. وقدّ تمّ غلق» الصنداج» ورغم أن المواطنين يتكبّدون معاناة في الحصول على الماء من موارد أخرى، فإنّهم سُرّوا لعدم تعرّضهم للأذى”. ولكن تواصل عطشهم.

تهميش
وقال فيصل الثابتي عضو الجمعيّة المائيّة بالحسيان، إنّ طول الشبكة يمتدّ على 87 كلم ويسقي عديد القرى. مشيرا إلى أن “مشكل تلوّث المياه بدأ منذ سنة 2009 عندما تمّ تعميق البئر، فأصبح ماؤه متغيّر اللّون.
لا تخلو المياه الّتي يعلن عن صلوحيّتها للشرب في القيروان، من مضاعفات، سواء الترسبات الجيريّة (الكلس) أو ارتفاع نسبة الملوحة مثل ما يحصل معتمديّة نصر الله.
فقد تمّت معاينة الماء الصالح للشرب بالمجمع المائي بـ”الحوفية” من معتمديّة حفوز، فتبين غياب مضخات الجافال المعقم الذي يستعمل لتطهير الماء من الجراثيم، وعدم صيانة وتنظيف شبكات وخزانات المياه والانقطاع المتكرر للمياه، ودعا المراقبون إلى معالجة الاخلالات.
أين الصيانة
وتخصّص مصلحة حفظ الصحّة بالقيروان نسبة 75 بالمائة، من جهودها، لمراقبة المياه. وترتكز المراقبة على الشبكات المراقبة، وهي الّتي تتبع “الصوناد” و”الهندسة الرّيفيّة”.
وتمّت سنة 2013 مراقبة 203 خزّانات تابعة للهندسة الرّيفية و178 شبكة، و48 خزّانا و50 شبكة تابعة للصوناد. في حين لا تتم مراقبة الآبار الخاصة والفلاحيّة رغم إقرار السّيّد جرّاي أنها تتسبب في أمراض كثيرة مثل الحمّى.
وأقرّ أن مشاكل التلوّث تحصل بالمجمعات المائيّة التّابعة للهندسة الرّيفيّة والسّبب هو عدم القيام بالصيانة والنظافة للخزانات، مثلما حصل لخزان أولاد العيادي بالشبيكة الذي تمّ إغلاقه بسبب وجود أتربه بداخله.

ماء
وأضاف: “توجد 5 بالمائة تقريبا من الجمعيات المعتنية بنظافة الخزانات”، مشيرا إلى إشكالية تقنية خطيرة وهي اهتراء شبكات المياه مما يستوجب تجديد شبكات المياه مع العلم انه توجد ميزانيات واعتمادات لتجديد الشبكات لكنها لم تنفذ.

كما سجّلت اخلالات ببحيرة الكوكات وهي بحيرة جبلية تزوّد سكان عمادة عين جلولة بمياه الشرب والرّي.
إشكالية تلوّث المياه، ليست حصرا على المناطق الرّيفيّة المهمّشة، وإنّما طالت سكّان المدينة.

إذ كشف فريق المراقبة، وجود مخالفات صحّية بخزانات تابعة للشركة الوطنية لتوزيع المياه بمنطقة الخزّازيّة وخزّان “الظواهر” التّابع لمندوبيّة الفلاحة. وتتمثل في إشكالية النظافة والتعقيم وصيانة الخزانات ووجهوا ملاحظات إلى الجهات المعنيّة من اجل التدخّل للقيام بالإصلاحات لحماية صحّة المواطن.