النقاب، اللّباس الذي نسجته الثورة…يثير الجدل  

كتب ناجح الزغدودي- مدونات عربيّة

تحوّل الحديث عن “اللّباس الشرعي” للمرأة، والنقاب بين السند الشرعي ومقتضيات الواقع وما فرضته الاحداث الارهابيّة، بعد الثورة، من الخطب التلفزية عبر الفضائيّات إلى شيء واقعي وأصبحت شأنًا إجتماعيّا وتجاريّا وأيضا من تفاصيل الحريات الشخصيّة رغم الجدل الحاصل حول النقاب والانحراف في استعمالاتها ومنها حادثة القبض على مفتش عنه متخفي في “نقاب” نسائي.

بموجب المنشور 108 الذي صدر في 1981 في أواخر حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة والى ما قبل 14 جانفي 2011، يمنع وضع النقاب ولبس الحجاب في المؤسسّات العمومية والتربوية والجامعية. بل إنّه يمنع وضع الدبوس (المسّاك). يسمح فقط  ب”التقريطة التونسيّة”. بموجب المنشور تم إيقاف عديد النساء طالبات وموظفات وربات بيوت ونقلن إلى مراكز الأمن. التزمن تحت الضغط والتهديد بعدم ممارسة هذه “الحرية الشخصية” التي يضمنها دستور 59 ويقيدها. بيع هذه الملابس في محلات عمومية بشكل علني كان ممنوعا. ليس هناك أي قانون يمنع ذلك لكن حصلت رقابة سياسية وبوليسيّة مخالفة للدستور.

نقاب

يتلقى التجار الذين يجلبون البضائع عبر القطر اللّيبي أوامر بعد م جلب أنواع من أغطية الرأس خاصة بالنساء تسمّى بالحجاب. وتحجز البضاعة. لكن ظلت تباع سرّا تارة وعن مضض من الرّقابة تارة أخرى.

جاء في تقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية، أنه مع الإقبال المتزايد على الحجاب بعد الثورة، ازدهرت تجارته، ووجد فيه التجار ومصممو الأزياء فرصة لإنعاش تجارتهم. وبات الحجاب والجلابيب من بين الملابس النسائية الأكثر مبيعًا في الأسواق الشعبية والمحلات التجارية الراقية.

في القيروان، لم تعد هناك مضايقات أو قلق بشأن ارتداء الحجاب أو النقاب بعد الثورة. تجارة هذه الملابس وغيرها من توابع التدين، لم تعد ممنوعة. محلاّت تبيع النقاب وتبرزه في واجهاتها بكلّ الألوان والتصاميم. سيدات يصنعن “اللّباس الشرعي” ويبعنه. مشاريع نسائيّة وموارد رزق للعائلات. ولا حاجة لهذا المجال بترخيص.

وأصبح الأهم هو الحديث عن الأذواق والجماليّة وإختيار للألوان. وعن الجودة و”الموضة”. والتنافس بين اللباس التقليدي وآخر وافد.

في القيروان هناك تقاليد لباس “الحايك” والسفساري. تراجعت هذه التقاليد بشكل ملحوظ وبرز في المقابل “الحجاب الوافد”. وسط أسواق المدينة العتيقة التي تعرف نساؤها بلباس الحايك التقليدي، الابيض خصوصا.

في الأحياء التجاريّة، قرب محلات بيع الملابس العصريّة الجاهزة، وأمام الجوامع يوم الجمعة. محلات ال”لباس شرعي” للنساء تنافس محلات بيع الملابس الجاهزة. لا توجد دمى مكسوّة. تعلّق الملابس تعليقا. وللرّجال نصيب في هذه المحلات من القبعات والعطور والزيوت العطرية ومنتوجات الطب البديل للنحافة والسّمنة والقدرة الجنسية والتجميل.

بعد تخرّجها من كلية الحقوق سنة 2010، لم تحصل على وظيفة. “القطاع العمومي يتطلب الانتظار والقطاع الخاص محدود”. تتزوّج بعد التخرّج. تلزم بيت أسرتها. يأتي موعد 14 جانفي. يأتي حل البطالة. فتح محلّ لبيع “الملابس الشرعية. “ريحان الجنة” اسم المحلّ صاحبته التي زارها “جدل” اختارت أن يكون “ريحان” إسمها المستعار. رفضت التسجيل الصوتي والفيديو. قبلت الحوار. برفقتها ابنتا شقيقتها التي فتحت محلاّ ل”الانترنيت” مجاورا لها.

يعرض المحلّ عيّنات من “اللّباس الشّرعي”. هنا يوجد “الجلباب”. أغطية الرأس والوجه (النّقاب) والقفازات. أغطية الرأس وبعض الملابس المستوردة الخاصة بالرجال.النقاب

بعض الملابس تأتي جاهزة من الخارج. من الخليج أو من الجزائر. تتعامل التّاجرة مع حرفيّات خياطة يلبّين طلبات حريفاتها. القياس في الغالب يكون موحّد القياس. بعض الحريفات يطلبن مقاسات وألوان مخصوصة فتلبى طلباتهن.

لم يكن بإمكانها أن تفكّر في فتح محل لبيع مثل هذه الملابس قبل الثورة. تعرّضت إلى مضايقات بسبب غطاء رأسها أيّام دراستها الجامعيّة. قائلة: “لم أفكر قبل الثورة في هذه التجارة. بسبب الضغوطات السياسيّة. لم تكن هذه الملابس تدخل إلى تونس فمعظمها مورّدة.

الوضع الحالي والحراك الاجتماعي والديني دفعاها إلى اقتحام هذا النشاط التجاري. وضعت جانبا شهادتها الجامعية. وتحوّلت من العلوم القانونية إلى عالم التجارة. يشهد مجال بيع “اللباس الشرعي” منافسة وصعوبات ومتاعب.

يساعدها زوجها في جلب البضاعة من مدن مجاورة. اشتغلت “ريحان” في محلّ مماثل في مدينة سوسة. وتعتبر رواج هذه البضاعة هناك أفضل من القيروان. “الإقبال في القيروان أقلّ وخصوصا في الصّيف”. ذلك أن حرارة الطقس تدفع المنقبات إلى التقليل من التحرّك في الخارج”. كما تؤثّر الحركيّة العامة في البلاد في هذه التّجارة. في شهر رمضان تزدهر بشكل أفضل وأيضا خلال الحركية الجامعية.

الرّبح يرتبط بالمواسم. حسب حجم رأسمال وكذلك حسب موقع المحل. يقع محلّها قرب جامع عقبة. خصّصت ألفي دينار لمشروعها. يشاركها زوجها في عملها. يجلب البضاعة من سوسة. يتنقا بين المزوّدين. “اللّباس الشرعي” له شروطه الدينية. كذلك شروط الجودة والجماليّة حسب قول “ريحان”. “البحث عن خيّاطة جيدة” هو أهمّ ما يشغل بالها. الجودة هنا ترتبط بالسعر. نوعية القماش. سعر الخياطة. هامش الرّبح.

الاقناع والثقافة

هناك ضوابط تحكم تجارة هذا النّوع من الملابس. تسمّيها ريحان “وسائل إقناع”.  تناسق الألوان. جودة القماش. جودة الخياطة. السّعر. هي بعض العناصر.

 تتفاوت الأسعار هنا حسب الجودة. “النقاب الخليجي بين 18 و20 دينار. النّقاب التونسي والجزائري بين 12 و15 دينار. هنا عنصر الجودة ومتانة القماش هي التي تحدّد السعر. قائلة: “النقاب الخليجي مرتفع الثمن”. هنا يدخل عنصر آخر لموضوعنا يتعلّق باللّباس. هناك “السفساري والحايك القيرواني”. تصنّف ضمن اللّباس الشرعي” وهي في نفس الوقت تقليدية.

توافق “ريحان” أنّ الحايك القيرواني هو لباس شرعي. وتضيف أنّ هناك “موضة صنع النقاب من قماش الحايك”. ملابس خليجية او شرقية أحيانا صينية. تؤثر في رواج المنتوج المحلي. وتعتبر “اللباس التقليدي باهض الثمن ولهذا السبب تراجع شراؤه”. منذ سنوات وليس بعد الثورة. ولا تمانع “ريحان” لكونها محجبة في ارتداء أي نوع من الملابس “شريطة ن يكون شرعيّا” ولا تعتبر أنّ هناك مشكلا في “بيع ولبس موروث أي دولة المهمّ أن تتوفّر فيه الشّروط”.

“ليس هناك حديث عن الموضة”. الأولويّة ل”الشرعيّة”. سواء النقاب أو الجلباب لم يعد اللّون الأسود سلطان الألوان. “المليحة” لم تعد تلبس فقط اللّون الأسود. ليس الأصفر والأحمر والأخضر. “هناك إقبال على الألوان المتناسقة”. الهادئة. الأبيض. البني. الأسود. الرمادي. البنفسجي. الخمري. هي الألوان المعروضة. وتقول إنّ حريفاتها يحرصن على الجودة وعلى تناسق الألوان. وعبّرت عن عدم رضاها إزاء الوصف المتداول في نعت المنقّبات وإزدرائهن، بعبارات “الخيمة المتنقلة” و”المجهولات” و”الغربان”. واعتبرته مسّا من الحرّية الشخصيّة للمرأة وومن حريّة المعتقد.

أدوية وأعلام

تبيع “ريحان” الى جانب الملابس الوافدة. الزّيوت العطرية وبعض أنواع الأدوية الموازية أو البديلة وهي مستوردة. وتقول “إنها أدوية خفيفة” ولا تعطى بناء على وصفة الطبيب. دواء للنحافة والسمنة. وأخرى للشعر وأخرى لعلاج الروماتيزم…والضعف…

 

خلف مصطبة المحل عُلّق علم يحمل عبارة “لا اله إلاّ الله محمد رسول الله”. خطّ كوفي أسود مرسوم على خلفيّة بيضاء تتوسّطه دائرة تُعرّف ب”خاتم النبوّة”. دائرة سوداء وخط أبيض. القماش ملمسه حريري. حاشيته مطرزة بخيوط ذهبية اللّون. شكّل ما يشبه الإطار الموضوع على الجدار. يختلف عن العلن الذي يحمل نفس. لكن لا توجد بها الدائرة السوداء. والذي يرفعه حزب التّحرير عادة.

“لا دخل لي في أي توجه ديني أو سياسي” تقول ريحان عندما سألناها عن دوافع تعليق العلم المطرّز. “صدقني لا أفهم الفرق بينها أنتم الصحفيّون تهتمّون بالتفاصيل “. ثم تقول هو ليس للبيع.

تأمل “ريحان” في نجاح مشروعها الّذي ولد مع الثّورة حسب قولها. كانت مبتسمة دائمة. لم تمانع في التقاط صورة لمحلها لكنها خيرت أن لا تظهر في الصّورة.