المياه مقطوعة في مدراس الريف القيرواني

 * ناجح الزغدودي
المياه مقطوعة في مدراس الريف القيرواني
تفتقد مدارس الريف القيرواني إلى الماء الصالح للشرب، مما يضطر التلاميذ إلى استعمال مياه الصهاريج الملوثة.
مع انطلاق فترة الراحة الصّباحيّة عند الساعة العاشرة يتجمهر تلاميذ مدرسة السوالمية بمنطقة بوحجلة من محافظة القيروان (جنوب) وسط الساحة لتناول قطع الخبز وتقاسم قوارير ماء جلبوها معهم.

ورغم اعتياد المعلمين على رؤية تلاميذهم وهم يتجاذبون قارورة ماء واحدة يتناقلونها بين شفاههم الرقيقة الظمئة في درجة حرارة تقارب الاربعين إلا أنه مشهد يثير القلق والمخاوف من تناقل الأمراض المعدية.

وتفتقر مدرسة السوالمية كغيرها من المدراس النائية في البلاد إلى ماء صالح للشرب. فالحنفيات التي وضعت قبل عقدين من الزمن على الأقل لم يسر فيها الماء وظلت مجرد ديكور عقيم.

ومع أنّ الدولة أنفقت نحو 8 آلاف دولار لتجديد الأنابيب إلا أن الماء لم يسري فيها وما تزال تعاني من الجفاف حتى بقي المكان الوحيد الذي يحوي الماء صهريج أزرق وضع تحت شجرة زيتون تتوسط المدرسة.

تجد آية السالمي (10 سنوات) تلميذة في الثالثة ابتدائي صعوبة كبيرة في الدراسة، فغياب الماء الصالح للشرب يزيد من تعكير حالتها الصحية بسبب معاناتها من مرض الكلى.

_DSC0106

تقول آية إنّ مرضها يتطلب منها شرب الماء المعدني باستمرار خشية تحوّله إلى فشل كلوي يصعب علاجه. لكن ظروف والديها الصعبة لا تسمح بذلك، فتشرب ماء الصهريج الذي لا تعلم مصدره.

تبدو آية نحيفة قصيرة القامة كأنها تشكو من تأخّر في النموّ. ويقول معلمها إنها خير دليل على خطورة المضاعفات الصحّية الناجمة عن فقدان الماء الصالح للشرب في تلك المنطقة بسبب ارتفاع درجة الملوحة وتلوثه.

ورغم ما يبدو عليها من نشاط يقول معلمها بأنها تعاني من مشاكل في الدراسة جعلتها ترسب في السنة الدراسية الماضية، مرجعا فشلها إلى تدهور ظروفها الاجتماعية والصحية إضافة إلى تدهور الوضع المدرسي.

وتشير دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى ارتفاع عدد المنقطعين عن التعليم من 100 ألف تلميذ سنة 2010 الى 112 ألف تلميذ سنة 2012 بسبب تدهور الوضع الاجتماعي والمدرسي.

ودق مدرسون بمحافظة القيروان ناقوس الخطر من تصاعد الانقطاع المبكر عن التعليم وظهور أمراض خطيرة لدى التلاميذ بسبب تدهور الوضع الصحي بالمدارس لا سيما بسبب انعدام الماء الصالح للشرب.

ويعبّر المدرس عمر السالمي بمدرسة السوالمية بشيء من الانفعال في حديث لـ”مراسلون” عن استيائه مما اعتبره تنصلا من قبل المسؤولين رغم تفاقم مخاطر تردي الوضع في المدرسة على التلاميذ والمدرسين.

ويقول “الماء الصلاح للشرب من المرافق الأساسيّة التي لا يمكن النقاش بشأنها “.

ولم يقتصر تذمره عن هذا الحد فقد أعرب عن امتعاضه من تدهور البنية الأساسية بأكملها في المدرسة. ويضيف “لقد جاء مسؤولون مرارا إلى المدرسة ودوّنوا ملاحظاتهم. كان من ضمنهم معتمد منطقة بوحجلة الذي تذوق الماء العكر الذي تجلبه صهاريج مجرورة للمدرسة وأقرّ بأنه مالح لكن رغم ذلك بقيت دار لقمان على حالها”.

ورغم استمرار الأوضاع يواجه المدرسون والتلاميذ معاناة شاقة بصبر كبير ربما يعود  لتعودهم على غياب الماء الصالح للشرب في منازلهم أيضاً. لكن هناك من هرب من جحيم تلك المعاناة بحثا عن مكان يطيب فيه العيش.

يروي أحد المعلمين أن مدرّسة قدمت مؤخرا من جهة مجاورة لمنطقة بوحجلة للتدريس بمدرسة السوالمية لكنها عادت أدراجها في نفس سيارة الأجرة التي أقلتها عندما علمت بغياب الماء الصالح الشرب وغياب الماء في المراحيض.

وتقول مندوبيّة التربية الحكومية بمحافظة القيروان إن هناك 167 مدرسة تفتقر للماء بشكل كامل بالقيروان، بينما ترفع المنظمات الحقوقية والاجتماعيّة الرقم إلى حدود 178 مدرسة رغم أن هناك جهات تقلل بكثير من ذلك.

وبمعتمديّة بوحجلة التي يقدّر سكّانها بـ120 ألف ساكن، وهو تقريبا خمس سكان ولاية القيروان، تعاني 20 مدرسة ابتدائية من جملة 42 مدرسة من مشكل في ماء الشرب وفق ما صرح به معتمد بوحجلة أحمد الجلالي.

وتعود مشاكل تزويد المدارس الرّيفيّة بمياه الشرب كونها تتم عن طريق ما يعرف بالهندسة الرّيفيّة والتي تشرف عليها مندوبيّة الفلاحة. وتوكل مهام التّسيير إلى “المجمّعات المائيّة”، وهو هيكل محلّي غير رسمي يحلّ محلّ شركة استغلال وتوزيع المياه الحكومية.

ويتحمّل كل مجمع مائي مسؤوليّة الإشراف على شبكة تزويد مناطق سكنيّة وما فيها من مؤسسات تربويّة بماء الشرب أو مناطق سقويّة فلاحيّة بمياه الرّي.

وترتبط المدارس الابتدائيّة بهذه المجمعات المائيّة وتساهم في دفع معاليم استهلاكها للجمعيّة التي تتولى عمليّة الإشراف المالي من خلال استخلاص معاليم اشتراك المواطنين ثم خلاص فاتورة استهلاك الكهرباء للمجمع. وتقدر قيمة المتر المكعب الواحد بين نصف دينار ودينار ونصف للمتر المكعّب ( 1دينار يساوي حوالي نصف دولار).

وتواجه الجمعيات المائيّة التي قدر عددها بالعشرات في القيروان وعدد حرفائها بالآلاف، خطر عدم خلاص المواطنين لفواتير الاستهلاك وهو ما يتسبب لها في عدم القدرة على تسديد مستحقاتها لشركة الكهرباء الحكومية. وفي تلك الحالة يقع قطع الكهرباء عنها وهو ما يتسبب بالتالي في انقطاع مياه الشرب عن السكان والمدارس والمساجد.

ويطالب المواطنون في القيروان بأن تتولى الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه دورها في تزويد جميع المناطق بالماء. ولكن هناك اعتبارات تتعلق بالتضاريس والتكلفة المالية تعيق تدخل الشركة الحكومية لإنجاز المشاريع.

ناجح الزغدودي الشروق

المقال نشر بموقع مراسلون http://www.correspondents.org/ar/node/6359 وفاز في مسابقة الصحافة البيئية.

في القيروان: الزيتون يموت واقفا بعد قرون الصمود

مدونة تكروان/اربل بلوغ عربية/ كتب ناجح الزغدودي
تحتل معتمدية نصر الله بولاية القيروان مرتبة متقدمة في انتاج زيتون الزيت ومن حيث عدد الأصول وغابة الزياتين المنتجة. حيث يوجد بالجهة 776 ألف شجرة زيتون لكن منها فقط 93 ألف عود زيتون منتجة منها 26 ألف مطري و67 آلف مروي وتقدر الصّابة هذا العام بجهة نصر الله ب6300 طن منها فقط 550 طن متأتية من المساحات البعلية.
يعود ضعف الانتاج هذا الموسم الى ضعف منسوب الأمطار الذي اثر بدوره على الانتاج الجهوي بجهة القيروان.
قدرت مندوبية التنمية الفلاحية بالقيروان صابة الزيتون للموسم الحالي ب 50 ألف طن وهو ما يعادل 10.5 ألف طن من زيت الزيتون. وهو ما يعني تسجيل تراجع ب67 بالمائة مقارنة بالموسم الفارط الذي بلغت فيه الصابة 152 ألف طن من الزيتون.
من مظاهر هذا التراجع في انتاج زيتون الزيت ما تعرضت له غابات الزيتون ب”حدائق نصرالله” التي تمسح حوالي 200 هكتار ويوجد بها 10 آلاف شجرة زيتون. وكان يفترض أن تساهم في الانتاج ولو بنسبة قليلة لكن هذا الموسم لم تثمر الاشجار ولو كميات قليل رغم كونها مدمجة ضمن المساحات المروية. وذلك بسبب مشاكل الري وانقطاع مياه العين التي كانت جارية منحدرة من جبل الشراحيل.
من ينقذ غابة الزياتين

جفت غابة الزياتين بسبب غياب الماء واصفرت الأوراق وتهاوت الاجذاع وتم قطع الاشجار الميتة وتحويلها الى فحم واخشاب. وقد أكد عدد من الفلاحين  أن هذه الحالة بدأت تدريجيا منذ سنة 2008 منذ توقفت العين عن التدفق. وكان من المنتظر التدخل من قبل السلط الجهوية ومندوبية الفلاحة لإيجاد حلول عبر حفر بئر عميقة لري غابة الزيتون لكن تعطل المشروع الذي انطلق منذ سنة 2012.
وقال مكرم المرزوقي (فلاح شاب) انه يشعر بالحزب وهو يرى غابة الزيتون ومنها الزيتون الروماني وزيتون غرسه الاجداد وهو يموت. واشار الى أن الزياتين كانت غزيرة الانتاج بشكل قياسي منها شجرة زيتون كانت تنتج حوالي طن من الزيتون لكنها ماتت وذوت. واكد ان غابة الزيتون كان بامكانها تقديم ما قيمته 3 مليون دينار علاوة على توفير مواطن شغل لمئات الشبان في الجني والقص.
زيتونة
مطالب بتوفير الماء
اكد الفلاح يوسف عنان (مسن) ان الزيتون يحتاج الى الماء ليعود الى الحياة وتعود معه حياة مئات الفلاحين بالجهة. وطالب الجهات المعنية بالتدخل العاجل لتزويد غابة الزياتين بالماء وربطها بالمنطقة السقوية. واشار الى ان معتمدية نصر الله توجد بها موارد مائية وسد من اضخم السدود ولكن لا ينتفع بها اهال يالجهة.
كما طالب علي مرزوقي بتوفير الماء من أجل اعادة الروح للحدائق التي كانت منطقة سقوية تزرع بها الخضر وشتى انواع الغلال. مشيرا الى ان المواشي لم تعد تجد العشب للرعي بسبب الجفاف.
مات الزيتون واقفا في نصر الله وسط تعطل مشروع تزويده بمياه الري. وفي الوقت الذي تحتاج فيه الجهة الى تطوير الانتاج وتوفير مواطن الشغل للشبان العاطلين، يتم اهدار طاقة فلاحية وتشغيلية. فمن سيتدخل لانقاذ ما تبقى من الزياتين.

لست أفكّر في الانتحار مهما كانت الظروف

كتب ناجح الزغدودي

 سأموت يوما ما، ولكن عندما تسألني متى ذلك فسأقول لا اعرف. بل اني لا أريد أن أعرف. وبالتالي لا تنتظر مني أن أحدد تاريخ مغادرتي هذه الحياة رغم طول مآسيها وكثرة مشاغلها ووفرة معاناتها.

خلاصة القول أنني لست معنيا بوضع حد لأوجاع الحياة بالشكل الذي فكر به من سبق ووضع حدّا لحياته. انما ولدت وخلقت لأحظى بشرف المحاولة ويسجل في كتب السير والعبر أنني لم أستسلم.

على خلاف قراري هذا، في بلدي تونس قرر 203 شخصا وضع حدّ لحياتهم في سنة 2014. هذا الرقم مفزع بالنظر الى بلد عاش ثورة وانتظر ان تتحقق امانيه وتتقلص أوجاعه.

اعيش في محافظة القيروان الواقعة وسط تونس. جهة تعاني من الفقر والتهميش وغياب التنمية. أبدو محظوظا أكثر من غيري ورغم انه ليس لدي مسكن وسيارة بعد، فان ذلك لكن يشكل خطرا على طموحاتي ولن يدفعني الى اليأس. ولكن ما يجعلني أصمد هو الامل وليس حب الحياة وانما وجود هدف في حياتي.

مرجعيتي الدينية الاسلامية التي تربيت عليها ونشأت في حمايتها الروحية تحيطني بطاقة قوية في مواجهة كل الصعاب ولمشكلات. وهي ايضا تدفعني لأزيح من امامي كل مسهلات الانتحار.

كصحفيين في كل يوم ننقل أخبار الانتحار ليس تسلّيا وانما من واجب نقل المعلومة وإثارة القضايا على امل أن يستفيق المسؤول من سباته ويتحرك ليزرع الأمل لرعيته ويصلح وضعهم وينظر في الاسباب ويفكر في الحلول. ولكن لا احد يفيقد حتى وهو يسمع ان القيروان تحتل مرتبة أولى في نسب الانتحار. ولقد تقدمت القيروان في هذا المضمار دون غيره ب31 حالة انتحار من بين 203. علما وأن القيروان هي واحدة من جملة 24 محافظة.

وقد حصل تفاعل شديد على مواقع التواص الاجتماعي بخصوص خبر انتحار الشاب عامر 34 سنة بشكل يفوق الحالات الاخرى. وهو شاب مطلق واجه صعوبات اقتصادية واجتماعية وضعته في دوامة نفسية.

صدم أهالي القيروان وهم يتابعون ما كشفه تقرير صادر عن لمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهو منظمة غير حكوميّة، عن تصدّر ولاية القيروان لنسبة الانتحار في تونس.  ويضاف اليها حالات انتحار في جانفي منها انتحار شاب (23 سنة) الاسبوع الفارط في بوحجلة ومحاولة انتحار شاب حرقا في البورجي قبل يومين وانتحار شيخ 75 سنة. والأسباب متعددة وتحتاج الى دراسة معمقة مثل التي قام بها المنتدى مع ايجاد حلول من قبل السلط المعنية.

عبد الستار السحباني، مختص في علم الاجتماع وصاحب دراسة حول الانتحار، أشار أنّ من  أهم أسباب هذه الظاهرة غياب الحوار بين مكونات الأسرة مع الأطفال الذين يعانون من حالة اكتئاب بالإضافة لغياب الحوار في الوسط المدرسي مع المربي.

و ذكر ان الفئة العمرية بين 26 و35 سنة هي التي تتصدر حالات الانتحار ب60 حالة فيما بلغ عدد حالات انتحار الاطفال 18 حالة من بينها 12 حالة تخص الفتيات.

  التناول الاعلامي

المركز الافريقي لتدريب الصحفيين والاتصاليين بتونس نظم بدوره ندوة علمية بالتعاون مع وزارة الصحة ومنظمة الامم المتحدة للطفولة اليونسيف حول كيفية التناول الاعلامى لظاهرة الانتحار وذلك على وقع ارتفاع نسب الانتحار واطلاق صفارة الانذار.

وقالت الاخصائية فى الطب النفسى بمستشفى المنجى سليم بالمرسى فاطمة الشرفى أن طرق التناول الاعلامى لمسالة الانتحار تؤثر مباشرة فى الفئات الهشة التى قد تلجأ اليه على أساس أنه أحد الحلول للمشاكل المتفاقمة.

وبينت أن أن المنظمة العالمية للصحة ضبطت معايير للتناول الاعلامى لهذه الظاهرة.  واستدركت بالقول ان هذه المعايير قد تمس بمبدأ حرية الصحافة لكنها ضرورية لإدراك أهمية حسن التعاطى مع حالات الانتحار حتى لا تتحول بمفعول التقليد الى ظاهرة وفق تقديرها.

واستدلت فى هذا السياق بأحد البرامج التلفزيونية الذى ظهرت فيه امرأة تقرأ رسالة وداع لابنتها خطتها قبل انتحارها وهي حالة شهدتها معتمدية العلا بالقيروان وكان لها وقع شديد على التلاميذ بشكل جعل نسبة كبيرة تقبل على الانتحار منها 37 حالة في معتمدية بوحجلة.

وقالت اثر هذا البرنامج تم تسجيل 4 حالات انتحار فى صفوف يافعين تتراوح أعمارهم بين 9 و16 سنة من نفس الدائرة بجهة القيروان كلهم انتحروا بالطريقة ذاتها الخنق.

توصيات وفتاوى

وأوصت المنظمة فى الجانب المتصل بالاعلاميين بتجنب ذكر كلمة انتحار فى العنوان الرئيسى وعدم ادراج المقالات المتصلة بهذه الظاهرة ضمن الصفحات الاولى وعدم ربط عملية الانتحار بعامل وحيد والاجتهاد فى تفسير أسباب وقوعها والابتعاد عن النعوت والالفاظ الايجابية على غرار نجحت محاولة الانتحار .

وشددت الشرفى على أن يلتزم الاعلاميون بالحذر الواجب فى التعامل مع الاحصائيات وأن يتجنبوا التعميم مع السعى الى الحديث عن الظاهرة خارج أخبار المتفرقات.

هناك توصيات كثيرة للاعلاميين وللاخصائيين. لكن لم يكن هناك توصيات للمسؤولين عن زرع الامل ونشر التفاؤل وبث الابتسامة والفرحة. وتوفير اسباب العيش الكريم ووسائل الترفيه وتحسين الخطاب القيمي والديني. وهناك منظمات بدأ تتحرك في هذا الاتجاه وهذا وحده لا يكفي لانه يجب توفير الخبز للانسان.

 يذكر أن مفتي الديار التونسي الذي يفترض أن لديه سلطة روحية ودينية قد اصدر بلاغا يوضح فيه ان الانتحار هو قتل للنفس وهو مخالف للشرع الاسلامي بأي وسيلة كان. ومع ذلك فان نسبة الانتحار في ارتفاع لدى الشبان والاطفال وهو ما يعقد المسألة ويجعل الظاهرة تاخذ منحى خطيرا يستوجب اليات تدخل ناجعة.

خواطر مسافر: مدينة “زاكوبانا” المسيحيّة ترحب بالسّياح المسلمين

كتب ناجح الزغدودي

كنت قد سميت مدونتي ب”أمنيات مسافر لم يسافر”. لقد سنحت لي الفرصة بالسفر الى أوروبا أخيرا وتحديدا الى بولونيا في اطار تدريب صحفي مع جمعية الاعلام البديل ضمن مشروع الصحفي الفاعل. كانت فيه تجارب كثيرة ومساهمات وتفاعل ثقافي. وهذا جزء مما قمت به في اطار عملي الصحفي. وهو مقال نشر في صحيفة بولندية.

في أوروبا حصل اندماج ثقافي بين المسلمين والمسيحيين مع مراعاة فوارق حضارية وعادات. ويحاول المسلمون في اوروبا التأقلم مع الوضع الاقتصادي والموروث الاجتماعي مع البحث عن ركن تتوفر في خصوصياتهم بصفتهم سياح ومقيمين. هذا الريبورتاج اجريته اثناء زيارتي الى ميدنة زاكوبا البولندية في شهر نوفمبر بين 9 و21 سنة 2014.

أيمن نوّار شاب مسلم يسكن في ريف مدينة “زاكوبانا” البولونيّة، متزوّج من بولونيّة ولديه ابنتان سنية وسارة، يريد أن يتأقلم مع نمط العيش والثقافة واللغة ولكنه وجد صعوبة.

تجذب مدينة “زاكوبانا” السياحيّة أجناسا مختلفة من السياح من أنحاء العالم. ويجد كثيرون منهم خدمات جيدة ومحترمة. لكن السياح المسلمين يجدون صعوبات في الاستمتاع بجمال المدينة والعيش فيها والتأقلم مع العادات الغذائيّة بالأخص.

خلال الأيام التي قضيناها بمدينة زاكوبانا كان علينا نحن بصفتنا سائحان تونسيان مسلمان، أن نحتار بين أكل السمك والفطائر والخضراوات. والسبب هو الحصول على أكل “حلال”. كان الطعام لذيذا ولكن وددنا تذوّق لحوم الخرفان والبقر والدجاج بأنواعه.

تبيع معظم المطاعم بزاكوبانا اللحم والدجاج. يمنع علينا التزامنا بثقافة الدين الإسلامي أكل لحم الخنزير الذي يعد من الأكلات الرئيسيّة في زاكوبانا وفي كامل بولونيا. أما في ما يخص أكل اللحوم والدجان فإن طريقة ذبحها بشكل آلي لا تنسجم مع كريقة الذبح الإسلاميّة لدى المسلمين. وهناك نظرة عكسيّة لطريقة ذبح المسلمين التي تجد معارضة من قبل جمعيّات بيئيّة في بولونيا وفي أوروبا عموما.

مقال في بولونيا

السمك الجبلي المحلّي

عندما كنا في العاصمة وارسو تناولنا وجبة لذيذة من سمك السلمون. وفي مدينة زاكوبنا تذوقنا مرارا من سمك الجبل المحلّي. ولكن لا يوجد هذا السمك في كل المطاعم بالمدينة.

في كل مرّة نزور مطعما كنّا نسأل ان كان يوجد به طعاما “حلالا” فيجيب بالنفي فنضطر الى تغيير الطلب. وقد تذوقنا الشربة بالثوم والفطائر بالجبنة المحلّية. وهذا نفس الشي بالنسبة للنزل بالمدينة. فهي لا توفر خدمات خاصة للسياح المسلمين الذين يحتاجون الى جانب الطعام الحلال غرفا للصلاة ولا ورقة تحديد القبلة. كما لا تتوفر أيّة معلومات باللغة العربيّة لمن هم من السيّاح العرب.

مثل هذه الحيرة التي عشناها بضع أيّام عاشها أيمن نوّار لمدّة أربعة سنوات. ويوجد مع أيمن 4 تونسيين آخرين. يشتغل أيمن بشركة خاصة. أقام بضع أيّام في النزل ثم اضطر الى مغادرته والسكن في منزل خاص وقد دفعه الى ذلك عدم توفر الخدمات “الاسلاميّة” وقال أيمن “لا أستطيع أن آكل من الطعام الذي يطبخ في النزل نظرا لكون اللحم يذبح بشكل لا يلائمني”.

يتنقّل أيمن بين تونس وزاكوبانا، وعند رجوعه من تونس الى بولندا يجلب معه كميّة كبيرة من الطعام ومنها اللحم. وقال أيمن أنه تجوّل بين عديد المطاعم بزاكوبانا ولا يعرف مطعما يبيع لحما حلالا. وعند الضرورة فهو يطلب فطيرة أو شربة خالية من اللحم والدجاج. كما يضطر أيمن إلى ذبح الدجاج بنفسه وطبخه وبمناسبة عيد الأضحى وهو من الأعياد الدينيّة الرئيسيّة لدى المسلمين يجتمع أيمن مع أصدقائه التونسيين ويذبحون خروفا على الطريقة الإسلامية. ويستغل تواجد بريف “زاكوبانا” ليتخفى عن المراقبة.

زوجة أيمن بولونية، وقد اتفق معها أيمن منذ البداية على عدم طبخ لحم الخنزير ووافقته في طلبه.

تعرّفنا الى أيمن عبر ملامحه وعند لقائنا معه فرح بشدّة لأنه وجد أخيرا من يتحدّث معه باللغة العربيّة. الى جانب خدمات الأكل التي لا تلائمه، وجد أيمن صعوبة في التأقلم بسبب اللغة.

حاولت زوجته البولنديّة تعليمه اللغة البولنديّة وتمكنت قليلا لكن ايمن أجاب مازحا “أطفالي يتكلمون اللغة البولونية بطلاقة أفضل مني”. لا يجد أيمن أيّة معلومات باللغة العربيّة في كل الإدارات والأماكن السياحيّة. وفي المقابل لم يتقن بعد القراءة باللغة بالبولونيّة وهذه اشكاليّة اخرى حاول أيمن حلّها لكن وجد صعوبة.

قد اقترح أيمن احداث مرز لتعلم اللغة البولنديّة في مدينة زاكوبانا وقال ان المركز المتوفر بعيد عنه وكذلك مصاريف باهظة.

بعد سنتين ستدخل سارة وسنية، ابنتا أيمن المدرسة. ويخشى أيمن من عدم توفير جروس بالعلوم الدينيّة الاسميّة لابنتيه موضحا أن ابنته تدرس حاليا بروضة أطفال ولا تحضر دروس الديانة المسيحيّة.

مستعدون

عدد السياح المسلمين الذين يزورون زاكوبانا ليس كبيرا. وحسب زيارتنا الى بعض النزل والمطاعم بالمدينة، فان الاستجابة لطلبات السياح المسلمين من الاقامة والطعام يمكن أن يستجاب لها لكن بشرط توفر عدد كبير من السياح المسلمين.

في مطعم شعبي وسط مدينة زاكوبانا، يمكن للمسلمين ان يجدوا سمك الجبل والسلمون في بعض الأوقات. كما يمكن ان يجدوا أكلات من الفطر والجبنة المحلّية والفطائر المحلّية، هذا ما أخبرتنا به العاملة بالمطعم المسؤولة عن تقديم الطلبات.

“يوجد أيضا لحم خروف ودجاج ولكن لست متأكدة ان كان حلال”، تقول السيدة موضحة انه في بولندا ليست هناك ثقافة سائدة حول “الأكل الحلال” لأنه حسب الدين المسيحي لا يوجد أكل حلال أو حرام. وقالت ان ما تمكنت من معرفته عند زيارة 4 سياح مسلمين لمطعمها هي أنهم لا يأكلون لحم الخنزير.

وعن فرضيّة توفير لحم حلال في صورة حضور عدد كبير من السياح المسلمين بمطعمها، قالت سيدة المطعم “أن اللحم الذي يطبخونه تجلبه لهم شركة مختصّة”.

مسؤول التسويق لدى مجموعة “قروبا تريب”، التي تشرع على سلسة نزل ببولندا منها 3نزل بزاكوبانا، قال ان وكالة الاسفار التي يديرها منفتحة على كل السياح بمن فيهم العرب والمسلمين. حيث تتوفر خدمات مختلفة المستويات. وقد سبق للنزل استقبال مجموعة سياح مسلمين من الكويت.

وقال موضحا:”ليس لدينا أدنى مشكل في توفير حاجيات السياح المسلمين بشرط الاعلام المسبق لكن مع امكانيّة أن تكون الخدمات المسداة أرفع سعرا من المعتاد لأنها خدمات تحت الطلب”. وأوضح “نحن منفتحون مع المسلمين ولدينا تجارب مع سياح من “الأورتودوكس” كانت لديهم طلبات بعدم وضع لحم الخنزير وتمت الاستجابة لطلباتهم. وقال انه لا يوجد مشكل في الطبخ. أما في النزل فيجب أن يطلبوا بشكل مسبق لنعلم خصوصيّة السياح المسلمين. وقد سأل عنها وقدمنا له بعض المعلومات التي قال انها ستساعده وقال متجاوبا بلغة فرنسيّة “نحن يمكن ان نأخذ كل هذه الخصوصيات بعين الاعتبار والإعداد لها مسبقا” وقال ان مدير النزل “يحرص على توفير كل الظروف المريحة للحرفاء”.

ناجح بولونيا

ثقافة اسلامية…مرحبا

لم يكن هناك عدد كبير من السياح المسلمين قد زاروا النزل, العدد الأقصى هو 15 سائحا. وعدد توافد السياح المسلمين ليس منتظما.

نقص عدد السياح المسلمين هو الذي منع من تخصيص خدمات “اسلاميّة” لهم سواء تخصيص مطاعم تقدم وجبات اسلاميّة أو مراكز تعليم اللغة العربيّة وتوفير الخرائط والمعلومات وكذلك هو سبب عدم توفر مسجد لصلاة المسلمين.

مسؤول مركز الخدمات السياحيّة “أندريه كواشكي”، أفاد أن عدد السياح المسلمين الذين يزورون زاكوبانا قليل جدا حسب استطلاعات الانترنيت. وبنسبة أقل من 1 بالمائة. وهو ما يفسر غياب خدمات سياحية للمسلمين حسب رأيه.

وقال انه في صورة اتصال سياح مسلمين بشكل مسبق فانه يتم تحضير ما يحتاجون من أكل حلال وخدمات غرف بالفنادق. واعتبر السيد أندريه أن زيارتنا وطرحنا للموضوع “هامة ويمكن تفتح المجال لمراجعة الخدمات”.

المشكل هو ضعف عدد السياح المسلمين” ولو ان العدد يكون اكبر فان الامور ستتغير” يقول السيد كواشي موضحا “لا تستطيع أن تغير خصوصيات المدينة لكن نريد ان نعرف ماذا يحتاج السياح العرب والمسلمون في زاكوبانا”.نفق

أما بخصوص بناء مسجد فاعتبر أن هذا يحتاج الى وجود طلب لمجموعة من المواطنين والدولة لا تقرر البناء وانما تساعد الناس مبينا أن بولندا تضمن الحريات الدينيّة. وقال انه في المدن الكبرى مثل وارسو وكراكوف توجد مساجد ومطاعم للمسلمين. ولكن لم تطرح الحاجة بالحاح بسبب غياب سياح مسلمين. وكرر قوله “اذا كانت هناك حاجة الى أكلات حلال فلا مشكلة” موضحا في نفس الوقت أن يوجد في بولونيا من هو مع فكرة الذبح الحلال أي أن يذبحوا بأنفسهم لأن ذلك أقل تكلفة. وفي المقابل توجد مجموعات بيئيّة تعترض على طريقة الذبح هذه معتبرا أن هذا الاعتراض هو العائق.

وقد أقرّ السيد كواشي أنه يعرف التقاليد العربيّة والاسلاميّة وفكرة الطعام الحلال وقال ان الناس في بولونيا لا يفهمون لم نحن المسلمون نتمسك بالأكل الحلال.

أيمن نوّار الذي التقيناه صدفة اعتبر طرحنا لفكرة توفير خدمات اسلامية من اكل وعبادة اسلامية وتدريس للغة العربية لأبنائه، أمرا ايجابيا خصوصا عندما علم أننا صحفيون تونسيون وأن هذا المقال سينشر بمجلة “تيكودنيك بادالنسكي” التي عرفنا من خلال نظرة الناس أن لديها سمعة جيدة وتهتم بمشاغل محلّية لسكان زاكوبانا بالخصوص. واعتبر أيمن أن توفير تلك الخدمات سيحسن حياته هو وأبناؤه وأصدقاه المسلمون في المدينة.

 

 

 

 

 

 

التحركات الارهابيّة في تونس بين هاجس السلاح وجهوزيّة مكافحتها

تونس/ القيروان / ناجح الزغدودي 

شهدت البلاد التونسية خلال الفترة الأخيرة وخصوصاً أثناء فترتي الإنتخابات التشريعية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014 والحملة الإنتخابية الرئاسية 23 نوفبمر/تشرين الثاني، تسارعاً في العمليات المسلحة التي إستهدفت أمن البلاد وقوات الجيش وأدت إلى تسجيل قتلى في صفوف الجيش والأمن والمسلحين منها عملية نبر بولاية الكاف يوم 5 نوفمر/تشرين الثاني 2014.

محافظة القيروان 160 كلم وسط تونس، وهي منطقة عبور بين الشمال والجنوب، تحوّلت نتيجة هذه الاحداث “الإرهابية” في المدن المجاورة، إلى واجهة المواجهات وتتالي أحداث الإيقافات، بلغت ايقاف 33 مفتش عنهم من قبل منطقة حرس حفوز في يوم واحد. وتم في أكثر من مناسبة حجز أسلحة نارية هي عبارة عن بنادق صيد. كما تدخلت فرق مكافحة الارهاب في عمليات تمشيط للمرتفعات والأحياء نتج عنه ايقاف مشتبه بهم في قضايا متصلة بالارهاب.

الحذر من السلاح

هذه الأعمال الارهابيّة وعمليات التفتيش الأمني، أثّرت في نفسيّة المواطن الذي انتابه هاجس تواجد السّلاح والمسلّحين بجهة القيروان فأصبح كثير الحذر، بينما أصبحت القوّات الأمنيّة المنتشرة وسط المدينة والمتمركز عند مداخلها، أكثر استثارة واستجابة لكل نداء أو تحرّكات مسترابة.

سبق لقوّات الأمن في القيروان، منذ 14 جانفي، تنفيذ مداهمات وحجز أسلحة متنوّعة، راوحت بين المسدّس وبنادق الصّيد. ومع ذلك لم يكن هاجس العنف والإجرام والإرهاب، قد تغلغل في نفس المواطنين في ظل ظرف انتقالي غير مستقرّ.

التّوقّي من السّلاح

نفّذت الفرق المتخصّصة في مكافحة الإرهاب عدّة تدخّلات إتّسمت بالدقّة والسّرعة. ومنها عمليّة مداهمة مشتبه بهم متحصّنون داخل جامع بمعتمديّة حفوز، بالقيروان، يشتبه أنّهم على صلة بالمجموعة المتورّطة في مقتل 7 من طلاع الحرس.

TUNISIA-POLITICS-UNREST-SECURITY

وحسب مصدر أمني بالقيروان خير عدم ذكر اسمه، فإنّه أصبحت تسند لهذه الفرق المختصّة كل القضايا المتعلّقة بالإرهاب ويتم نقل ما يتمّ حجزه وإيقافه الى العوينة، من أجل المحافظة على سرّية الأبحاث. ولا يتمّ تشريك الوحدات الأمنيّة بالقيروان، سوى في توفير المعلومات قبل التدخّل وتنظيم عمليّات السير وتهيئة الميدان من النّاحية الأمنيّة.

وأصبحت هناك إجراءات أمنيّة مشدّدة ومراقبة لمداخل المدينة للتّحرّي في موضوع السّلاح الّذي تمّ كشف مخازن له في جهات مجاورة”، وأشار نفس المصدر إلى وجود مراقبة لبعض الأشخاص. نافيا العثور على أسلحة قتاليّة خلال الإيقافات والمداهمات.

وما تمّ حجزه هي بنادق صيد تمّ حجز بعضها اثر استخدامها في عمليّات سطو وعنف. حيث تمّ في أوقات سابقة حجز 19  بندقيّة صيد في حملة أمنيّة واحدة لشرطة النجدة في معتمديّة بوحجلة. كما تمّ حجز بنادق صيد تمّت المتاجرة بها من قبل مواطنين يجلبونها من خارج حدود الوطن ويتراوح سعرها بين 1000 و1500 دينار. وذلك خلال شهر أكتوبر.

أمن

“أنّه لا يمكن تقديم تفاصيل بخصوص هذا الملفّ نظرا لكونه لا يزال بصدد البحث والمراقبة”. كذلك صرّحت مصادر أمنيّة رسميّة وأوضحت أنّ جميع التّدخّلات لم تفض إلى حجز أسلحة قتاليّة، وهذا بخلاف ما تمّ تداوله على مستوى الشارع في القيروان  وصفحات التّواصل الإجتماعي، في شكل مخاوف وهواجس مجانبة للحقيقة. وحسب مسؤول أمني فإنّ ما يستشعره “الحدس الأمني” هو وجود “آثار لسلاح مخفي” وهي بصدد التحرّي بشأنه.

تأهّب وإستخبارات

“نحن نفوق الإرهابيين عدّة وعتاداً”، يوضّح مسؤول أمني في سياق الحديث عن سعي المسلّحين لضرب الأمن ثم الانتقال إلى ضرب المواطنين بهدف زعزعة الأمن. وأوضح أنّ قوّات الأمن أصبحت بعد الصدمات، والإغتيالات، أكثر تأهّبا وجاهزيّة. وهي تقوم بدور الهجوم بدل الدّفاع، بشكل مكّن من إفشال مخطّطات إرهابية خارج القيروان ومنع دخولها. وذلك في إطار “التّوقّي من الإرهاب”، حسب تعبيره.

كما تحدّث المسؤول الأمني عن مشكل “المعلومة”، الّتي يحتاج إليها عون الأمن ليحمي المواطنين. وأشار إلى مشكل البلاغات العشوائيّة غير الدّقيقة مثل التبليغ عن صيّادين مرخّص لهم، وعن تحرّكات مواطنين في هيئات مُميّزة من حيث اللّباس أو وسيلة التنقّل.

ونبّه إلى تراجع دور “عمدة” المنطقة وما كان يقوم به من تجميع للمعلومة الدقيقة وتزويدها للجهات الأمنيّة، فيما يخصّ الجانب الأمني. ودعا المواطنين إلى التّعاون مع ضرورة الحذر والدقّة.

كما أوضح مسؤول إحدى الفرق الأمنيّة المختصّة، إلى تواصل عمل “الاستعلامات” بشكل عادي، لكن مع التركيز أكثر على قضايا الإرهاب وليس التّحزّب.

التجهيزات

مشكل آخر يؤثّر في نجاعة عمل أعوان الأمن، وهي التجهيزات والمرافق الأساسيّة. وأفاد حيدر طيمومي كاتب عام نقابة للحرس الوطني بالقيروان، أنّ أغلب المقرّات الأمنية متداعية للسقوط وتشكل خطرا على الأعوان والمواطنين فمقر مركز الأمن العمومي للحرس الوطني بمنزل المهيري من معتمدية نصرالله هو بناية من عهد الاستعمار وكانت مخصّصة لمحطة القطار. كما أشار محدثنا أن مقرّ فرقة الأبحاث والتفتيش هي متداعية للسقوط وبها شقوق وتصدعات في السقف. أما مركز شرطة المرور بنفس الجهة يعاني من نقص فادح في التجهيزات وخاصة عدم توفر سيارة إدارية للعمل.

وأضاف الطيمومي أنّ وحدات الأمن تنقصها وسائل نقل، فالسّيّارة الإداريّة التّابعة لمركز الأمن العمومي للحرس الوطني بنصر الله، مُعطبة وتم توجيهها للورشة للتصليح والأعوان يعملون حاليا دون سيارة ونفس الشيء بالنسبة لمركز منزل المهيري سيارته قديمة واغلب الأوقات معطبة.  كما تشكو معظم المراكز من نقص التجهيزات المكتبية ومعداتها قديمة كالإعلامية والمكاتب وحتى الكراسي المخصصة للمواطنين قديمة.

ويطالب الأمنيّون أيضا بتوفير صدريات واقية من الرصاص خصوصا للأعوان الّذين يتمركزون في الطريق العمومي وهم عرضة لأي خطر داهم كما حصل لاعوان الامن الذين كانوا يحرسون منزل وزير الداخليّة لطفي بن جدو.

مواجهات

رغم إستنتاج عدم حجز أو انتشار السّلاح، بولاية القيروان، حسب مصادر رسميّة، ورغم عدم حجز أيّ أسلحة قتاليّة، فإنّ التّوقّي من العنف، من المسائل الّتي تحوّلت إلى أولويّة قصوى تستوجب الحذر واليقظة، كما تستوجب توفّر التجهيزات وتوفّر المعلومة وتعاون المواطن وحذره دون هواجس ومغالطات. وما يلاحظ في الوقت الحاليـ تضامن المواطنين وممثلي المجتمع المدني، التفافهم حول المؤسّسة الأمنيّة، وان كانت له مبرّراته وسياقاته السّياسيّة، فإنّه يعبّر عن استشعار للخطر وللمسؤوليّة.

دعم أوروبي لمكافحة الارهاب

قال مبعوث الاتحاد الاوروبي الخاص لمنطقة الساحل   ميشال ريفيران دي مونتون   خلال لقاء صحفي  عقده خلال شهر سبتمبر/أيلول المنقضي بمقر المفوضية الاوروبية بتونس  ان  الاتحاد يرغب في مساعدة تونس في مجال مكافحة الارهاب وفي ارساء السلم في كامل منطقة الساحل. وأوضح  دي مونتون  أن الامر يتعلق بدعم التعاون بين تونس والاتحاد الاوروبي في المجال الامني من خلال تنظيم دورات تدريبية لفائدة أعوان الامن والحرس الوطني والجيش الوطني وإرسال خبراء وبعثات استشارية لنقل خبراتهم للإدارات التونسية.

كما أكد المسؤول الاوروبي ضرورة وضع استراتيجيات تعاون مشتركة بين مختلف دول المنطقة  لاسيما بلدان المغرب العربى من أجل مكافحة ناجعة للإرهاب وكافة أشكال التهريب التي  تسببت في أضرار كبيرة   وفق تعبيره. ولاحظ أن الاتحاد الاوروبي  الشريك الاقتصادي للعديد من دول الضفة الجنوبية للمتوسط  يرغب في مساعدة هذه البلدان لمكافحة هذه الظواهر بهدف ارساء السلم والأمن في المنطقة.

وأضاف  دي مونتون  أن ضمان الامن والاستقرار في المنطقة يعد شرطا أساسيا للنهوض بالتنمية فى هذه البلدان. وعبر عن سعادته بزيارته الاولى الى تونس واصفا اياها بـ”الايجابية جدا والمثمر”.

من اين يأتي الارهاب

هجوم

توجه تهم الهجمات الارهابية نحو فئة محددة وهي الجمعات الدينية التي توصف بالمتشددة ويطلق عليها كتيبة عقبة ابن نافع. وتحدث معظم الهجمات على مستوى الحدود التونسية الجزائرية التي تنشط بها الجمعات المسلحة وجرت بها عديد الهجمات. في حين تحاول مجموعات اخرى ادخال السلاح عبر الجنوب وتحديدا من القطر الليبي وهو ما يطرح أسئلة كثيرة حول تورط جهات اخرى لم توجه لها تهم دعم الارهاب. علما وان التحركات المسلحة تنشط اكثر ما يكون خلال محطات سياسية محددة مثل الانتخابات.

ناجح الزغدودي

سماحة المفتي أفتنا…متى عيد غزة؟

أعلن سماحة مفتي الجمهورية التونسية ان يوم العيد هو يوم الاثنين 29 جويلية. أعلن ذلك رغم أنه تعذر عليه رؤية هلال العيد. أعلن ذلك مخالفا القاعدة الفقهية وهي اتمام ال30 يوما عند تعذر الرؤية. ولكن سماحة مفتي الديار التونسية الذي لا نراه سوى مطلع رمضان ومطلع العيد اتجه نحو تكريس الوحدة العربية والاسلامية وهذا جميل ومستحب بل هو حلم نروم له التحقق. خاصة وأن السعودية وقطر وغيرهما من الدول الخليجية قررت ان يكون يوم الاثنين هو يوم العيد.

لست أخالف سماحة المفتي في علمه وفقهه ورؤياه التي قد يكون راها في منامه ليلا . فقط أردت لو انه تمكن أيضا من أن يخبرنا متى يحين عيد غزة.

سماحة المفتي متى يحل عيد غزّة؟

متى تهل فرحة غزة؟

ومتى نتوحد مع غزة؟

أو ليس من حق أطفال غزة  أن يفرحوا وأن يكون لهم عيد؟

ربما تعذر على سماحة المفتي رؤية هلال غزة المضاءة بنيران الصواريخ… ربما تعذر على سماحة المفتي رؤية هلال غزة لأنه ضعيف النظر ولا سيما في اتجاه بيت المقدس. هل تراه يذكر ان القدس محتلة؟
هل تراه يذكر أن رحلة الاسراء والمعراج انطلقت من بيت المقدس؟

هل يستطيع سماحة المفتي أن يحدد نصاب صدقة الفطر في غزة؟
ليتك سماحة المفتي وحدت بيننا وبين شعب غزة…ليتك جعلتنا نقاسمهم الفرحة كما يشاطروننا الفخر عند انتصارهم…كما يقاسموننا شموخهم وشهامتهم… كما يحفظون ماء وجوهنا.

سماحة المفتي هل رأيت دموع الثكالى في غزة ام تعذرت عليك الرؤية وخانتك الرؤيا؟

هل رأيت الطفل يرتدي ملابس العيد وهو شهيد…يلبس الكفن عيدا يا سماحة المفتي؟
أفتنا يا سماحة المفتي، اذا ذهب ماء الوجه وماء الحياء، هل يجوز أن نتيمم بتراب فلسطين أم ان التراب المقدس يحرقنا؟
أفتنا يا سماحة المفتي هل تجوز لنا مشاهدة الدماء، دماء الشهداء في غزة يوم العيد أم هي تعكر فرحتنا؟
أفتنا يا سماحة المفتي هل يجوز ان نصوم مع اخوتنا في غزة ونقاطع العيد معهم أم أن الصوم يوم العيد يفسد وحدتنا؟
أفتنا يا سماحة المفتي أي هلال نعتمد، وأي جرح نداوي وأي دم نحقن وأي شهيد ندفن؟
أفتنا يا سماحة المفتي هل يجوز دفن الشهيد يوم العيد أم نؤجل العيد؟

سماحة المفتي هل في رؤياك ما يشير الى هلال غزة متى يهل بالعيد؟

وهل في رؤياك الصالحة موعد لتتحقق الوحدة العربية والاسلامية لنصرة غزة؟

لمتى تنصر فتواك المظلوم والمقهور وتعاقب الظالم الجاني ؟
سيدي المفتي لا تتعب نفسك فجواب الغير معلن طرق مسامعنا وعلمنا أن الرؤية تعذرت بسبب وأن الرؤى اعتذرت دون سبب.
ناجح الزغدودي

رمضان في القيروان، ذاكرة حضارة وعادات حاضرة

ناجح الزغدودي

ما تزال القيروان، الّتي توصف بكونها عاصمة إسلاميّة، تحتفظ بذاكرة احتفاليّة متميّزة خلال شهر رمضان منها عادات وتقاليد غذائيّة واجتماعيّة واقتصاديّة واحتفالات وأجواء روحانيّة تعيشها هذه المدينة وتجعلها قبلة الزوّار ومحطّ أنظار.

احتفاء أهالي القيروان بشهر رمضان، له تحضيرات تسبق قدومه بأيّام. اعداد “العولة” وهي عمليّة خزن المواد الغذائيّة التي يتم اعدادها بطريقة تقليديّة. تحضير مشتقات الحبوب التي يتم طبخها في شهر رمضان والتوابل لإضفاء نكهة زكيّة على المأكولات لإرضاء شهيّة الاكل. كما يتمّ تحضير الاواني النحاسيّة التي تحرص العائلات القيروانيّة على ان تكون جزءا من جهاز العروس. علاوة على الزينة التي تجرى على المساكن والمساجد والمعالم الدّينيّة مثل من يستعد لإقامة عرس.

ويستقبل شهر رمضان، استقبال الضيوف كما جرت عليه عادة أهل المدينة استئناسا بمزيج من العادات العثمانيّة والفاطميّة والبربريّة. فمدفع رمضان الذي يعود للعهد العثماني، لا يزال يحافظ على مكانه في أعلى برج سور القيروان، يسمى “بريجة” الذي أعيد بناؤه في العهد الحسيني. وهو عبارة عن حشو من البارود يطلق في الهواء فيعلن صوته لأهل المدينة عن بدء الافطار وحلول الإمساك، ويأذن وميضه للقاطنين في محيط المدينة بتلك المواعيد. ويوحّد المدفع المواقيت ويؤنس لحظات الإفطار. ولتلك الغايات احتج بعض أهالي القيروان ضد قرار منع المدفع في ولايات الجمهورية. وقد أستثنيت القيروان من قرار المنع، جريا على تلك العادات.

مساجد وساحات ومقاه

تتضاعف الإنارة في شهر رمضان، بلمسات من المجلس البلدي، ولكن بدرجة أكثر استجابة المحلات التجاريّة والمقاهي لرغبات الحركيّة التي تشهدها مدينة القيروان بعد الافطار. وتتنافس المقاهي والمساجد التي تتقارب في العدد، في استقبال المواطنين.

من مآذن المساجد يعلو ترتيل القرآن في صلاة التراويح. ويستقطب جامع عقبة بن نافع، وهو أوّل مسجد وضع الفاتحون حجر أساسه قبل 1400 عام، زوّاره من محافظات مختلفة وكذلك ضيوفا من الجزائر وليبيا ومن بعض دول الخليج. ويحافظ الجامع والمصلّين والأئمة على طابع الاعتدال ونبذ التطرّف وهو الوحيد الذي تشرف عليه لجنة تنظيم. وهو الى جانب كونه مسجد للعبادة، فهو معلم أثري تعتبره منظمة اليونسكو تراثا عالميّا، الى جانب معالم أخرى ومنها فسقيّة الأغالبة والمدينة العتيقة وسور القيروان ومعالم دينيّة منها مسجد الأنصاري، بني قبل بناء جامع عقبة بن نافع.

ساعتان بعد موعد الإفطار، تدبّ حركة كبيرة وسط مدينة القيروان. تخرج العائلات الى الساحات العامّة. أبرزها ساحة أبي زمعة البلوي، وساحة اولاد فرحان وباب الجلادين. وتستهوي المقاهي أعدادا مهولة من الناس، تنافس في فترة بث مقابلات المونديال الملاعب العالميّة. تحتلّ كامل الرصيف وأجزاء من الطريق المعبّد لتوفر أماكن لحرفائها. ولا تفوّت المقاهي فرصة توفير شاشات عملاقة لجذب هواة كرة القدم. وكانت المقابلة الوحيدة التي وحدت جمهور المقاهي، هي مقابلة الفريق الجزائري ضد الفريق الألماني، بعدها انقسمت الجماهير في تشجيع الفرق.  وهناك مقاه جديدة فتحت خصّيصا بمناسبة شهر رمضان، كما فتحت محلات تجاريّة كثيرة بهذه المناسبة.

ملابس وحلويات العيد

تتضاعف المعاملات التّجاريّة في شهر رمضان. وتنقسم المشتريات حسب الفترات بداية من شهر رمضان وصولا الى عيد الفطر. فاهتمام العائلات ينصب خلال الأيام الأولى من شهر رمضان على شراء كل ما يهمّ الأطعمة. حرص على اقتناء اللحوم بأنواعها والغلال مع تجديد الاواني النحاسيّة والخزفيّة. وتعرف القيروان بصناعة النحاس المطروق، وهي اواني نحاسيّة تصنع يدويّا ويخصص لها حي حرفي وسوق يسمّى “النحّاسين”، يأتي الزوار من كل مكان.

 

الى غاية النّصف الأوّل من شهر رمضان، تنشغل العائلات بتصنيف شتى انواع الأطعمة التي توفر طاقة وغذاء للصائمين، ومنهم الأطفال الذين يبدأون في تجربة الصوم من سن ال12 من أعمارهم. ومع انتصاف شهر رمضان وإطلالة البدر المتمم للهلال، تمرّ العائلات في القيروان إلى عادات أخرى، وهي عادة صنع الحلويّات. وتنشط الحركيّة التجاريّة.

ليست حلويّات المقروض المعروضة بأصنافها الشهيّة وألوانها المغرية للصائمين، والتي تشتهر بها القيروان وتصدرها للأسواق الأوروبية هي وحدها ما تتميّز به أطباق الحلويّات في القيروان. فالعائلات تصنع أصنافا لذيذة من أطباق الحلويات (حلويّات “الغريبة”  والمقروض وكعك ورقة وصمصة وبقلاوة وقطايف وغيرها…) وجميعها معطرة بالزهر وماء الورد والعطرشاء التي يتم تقطيرها (استخراجها) من الزهور العطريّة، ولأهل القيروان في هذا المجال عادات أخرى. والمحدد لصنف الحلويّات هي القدرات الماديّة وما توارثته من أصل تركي أم فاطمي أم أندلسي وأخرى خليط بين ثقافات امتزجت وتماهت.

تتبادل العائلات أطباق الحلويات من الصناعة المنزليّة، ويصل التنافس بين العائلات الى حدّ التباهي والتفاخر بالعتيق والأصيل والباهظ من الاصناف. وقد حوّلت بعض العائلات منازلها الى مصنع للحلويات وذاع صيتها ونافست كبريات محلاّت بيع وصناعة الحلويّات، وفاقتها جودة وعتاقة.

مواسم ومراسم

منتصف شهر رمضان، هو أيضا مناسبة دينيّة واجتماعيّة لها طقوس متوارثة من بينها اخراج  طعام الفقراء” وهي صدقة تخرج عن الموتى لفائدة الفقراء. وتتمّثل في كسكسي بربريّ السّمات بلحم الضأن يهدى للعائلات الفقيرة قبل موعد الإفطار في أطباق أو يرسل للمساجد مرفقا بالخبز القيرواني الشهير.

تنشط كذلك بداية من “ليلة النصف” أسواق المدينة العتيقة التي توجد محلات المصوغ، وتعرض للمقبلين على الزواج بعد العيد، آخر الابتكارات رغم غلاء الأسعار. كما تضاعف محلات بيع الملابس الجاهزة والأحذية من أضوائها ومن تنوّع الأذواق. وتوجه اهتمامها نحو الملابس الشبابيّة وملابس الأطفال. وقد برزت عديد المحلات الجديدة في نقاط مختلفة خالفت الاهتمام المرتكز على الحي التجاري. وأصبح هناك نيابات للماركات العالميّة.

ينفّر ارتفاع الأسعار الذي العائلات ضعيفة الدّخل، فتجد في الأسواق التي تنتصب بشكل استثنائي في شهر رمضان، ملاذا أقلّ سعرا وأكثر تنوّعا. وتعرض الاسواق ملابس مستوردة من تركيا وسوريا ومن الصّين مثل تلك اللعب البلاستيكيّة والألعاب النارية التي تصدر أصواتا مزعجة أحيانا لكنه من نوافل شهر رمضان والأجواء الرائقة.

وتنشط هذه الأسواق بساحة باب الجلادين وعلى طول سور المدينة العتيقة. وتصفح المراقبة البلديّة عن الانتصاب غير القانوني، لكن تسهر الفرق الأمنيّة على تأمين الأسواق ومراقبة النقاط التي تشهد كثافة في عدد السّاهرين والحرفاء، خاصّة تزامنا مع التهديدات الارهابيّة التي تصاعدت وتيرتها في شهر رمضان وحصدت أرواح تونسيين من الجيش والأمن التونسييّن. وقد أفسدت مشاهد الدماء مظاهر الفرحة والمرح كما عكرت مشاهد الموت والدمار القادم من “غزة”، من رونق الأجواء والمهرجانات والعروض الثقافيّة التي نظمتها عديد الجمعيّات الأهليّة.

_DSC0101

يأسف شيوخ المدينة المتمسكون باللباس التقليدي، عن تراجع الإهتمام بالملابس التقليدية في القيروان، خلال شهر رمضان وخارجه. يتمسّك بعض كبار السن من الرّجال بالجبة التقليديّة والشاشيّة والأحذية الجلديّة وهيآتهم العتيقة في مقهى عراك بالمدينة العتيقة الذي احتفى بمئويّة تأسيسه. كما تحافظ بعض النساء على لباس الحايك ولكن عددهن قليل في وسارع الميدنة العتيقة. وقد اغلت محلات كثيرة في سوق الجرابة العتيقة كانت تصنع تلك الملابس وغيرها من المنسوجات، وغيرت من طبيعة نشاطها بسبب ضعف الاقبال واكتساح المصنوعات، في حين اصبح محلات اخرى تبيع ملابس ومنسوجات من مصانع مدينة قصر هلال التونسيّة. ومع ذلك حافظت بعض النسوة على خياطة ملابسهن لدى محلات الخياطة وخصوصا ملابس التدين مثل الحجاب والنقاب. وهناك محلات كثيرة برزت ولم يكن  ذلك مسموحا قبل الثورة.

يقضي الصائمون أكثر من نصف اليوم في حالة صيام، وبالليل يلتمسون مظاهرة الترفيه عن النفس والترويح عن الأطفال والتماس ما ينعش الجسم المرهق بالنهار من نسمات الليل الباردة. وتنشط في رمضان بالقيروان، عديد الأنشطة الثقافية التي تشرف عليها هيئات مستقلّة ومؤسسات ثقافيّة رسميّة ضمن مهرجانات تسمى “ليالي الصّيف”. ورغم النقد اللاذع الموجه للبرامج الثقافيّة، فإنها تحقّق بعض الترفيه لبعض النّاس. وكان الاستثناء هذا العام، مبادرة مجموعة من الشباب الناشط في جمعيّات اهليّة بتنظيم “مهرجان رمضان القيروان”، تضمن عروضا فنيّة شبابيّة في الساحات العامة بالمدينة العتيقة وتظاهرة افطار جماعي ذو مقاصد تضامنيّة.

رمضان بطعم السياسة

العمل الإجتماعي في رمضان، من الاركان القارة. حيث تنشط موائد الافطار للعائلات الفقيرة وتوزع المساعدات الغذائيّة والماليّة تحت اشراف جمعيّات اهليّة. وتجمع المساعدات من تبرّعات المواطنين وتسلّم في شكل “قفّة رمضان” او موائد افطار. كما ساهمت العائلات بتقديم الاطعمة الجاهزة من بين طعامها وتقدمه للجمعيات، وهذا ما فعلته الكشافة بالقيروان، ويتم وضعه في اطباق وتوزيعه. ورغم الانتقاد الموجه لبعض الجمعيات وتهم الدعاية الحزبيّة، من بعض الأطراف المنتقدة فإنّ خدماتها كانت محلّ تنويه وإشادة من طرف آخر. وهذا جزء من التجاذب السياسي الجاري على أشدّه، خصوصا مع انطلاق العمليّة الانتخابيّة ونشاط الأحزاب والجمعيّات في عمليّات التسجيل.

_DSC0108

والتطوّع لختان الأطفال الفقراء وغيرهم بشكل جماعي في ليلة 27 من رمضان، المرجح أنها “ليلة القدر” في معتقدات المسلمين، يعدّ من الفضائل المتوارثة رغم ما يقال عن ارتباط بعض تفاصيلها عن نظام ما قبل الثورة. ولكن ثبت أنّها عادات اجتماعيّة غرضها الأوّل هو المساعدة وكسب ما يعتقد دينيّا أنّه ثواب أخروي ورضاء للضمير. وتقام لعمليّات الختان الجماعي التي تقام بمقام الصحابي أبي زمعة البلوي، ما يشبه المهرجان المراوح بين العرض الموسيقي الانشادي والزغاريد وطبول الاحتفال بهذا المنسك.

الصداق القيرواني

وان كان يعتقد أن لحفلات الختان في رمضان، قيمة معنويّة واجتماعيّة وبركة دينيّة، فإن لمواسم الخطبة وعقد القران، وفق الصداق القيرواني، عادة نسبة الى صداق أروى القيروانيّة بالخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور، مظهر آخر من أفراح شهر رمضان المتوارثة عادة واعتقادا خصوصا عندما تقام بجامع الزيتونة العتيق أو جامع عقبة بن نافع أو مقام الصحابي أبي زمعة البلوي.

ويخصص يوم العيد للزيارات العائليّة وإهداء الحلويّات. والترفيه عن الاطفال في مدينة الالعاب وتنفيلهم باللعب والملابس الجديدة. ولا يمرّ اليوم الثالث من العيد إلا وتعلن حفلات الأعراس وتتجه انظار العائلات الى الشاطئ لنيل نصيب من الاستجمام واسترجاع النشاط بعد شهر من الصّيام الذي يمتزج فيه ارهاق الجسم بنفحات معنويّة رائقة.