حريّة التعبير في تونس باتت في خطر ؟

* ناجح الزغدودي

قطع مجال حرية التعبير في تونس شوطا محترما بعد ثورة 14 جانفي/كانون الثاني تجسم في المرسوم 115 و116 للعمل الصحفي ودستور الجمهورية الثانية الذي ما يزال يثير الجدل. وقد قطع الاعلاميون والمدونون مع منظومة رقابة البوليس والوصاية على الرأي وحرية التعبير والاختلاف السياسي. وحقق التونسية مكسبا هاما.

بعد اتساع رقعة حرية التعبير تلقى الرأي العام التونسي يوم 24 ديسمبر/كانون الاول إيقاف المدون ياسين العياري بعد صدور حكم بسجنه ثلاث سنوات مع النفاذ صادرة عن المحكمة العسكريّة بتهمة الاساءة للمؤسسة العسكريّة التي تعتبر تحت اشراف الدكتور الحقوقي المنصف المرزوقي وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة. وذلك لانهم كتب على صفحة التواصل الاجتماعي انتقادا لاداء المؤسسة العسكرية ولرموزها.

دستور في حاجة الى نصوص

بموجب الفصل 31 من الباب الثاني “الحقوق والحريات” من دستور جانفي/كانون الثاني 2014، فإن حرية التعبير مضمونة لكل مواطن. ولا يشير الدستور الى استثناءات تحد من حرية التعبير.

قبل ايقاف ياسين ومحاكمته تعرض فنانون وصحفيون ومدونون الى المساءلة القضائيّة وتم ايقاف بعضهم وصدر في شان البعض الاخر احكام قضائيّة بالسجن. ولكن مساندة المنظمات الحقوقيّة وهيئات الدفاع مكن من الافراج عليهم من ذلك محاكمة الفتاة أمينة السبوعي المعروفة ب”أمينة فيمن” ضمن نشاط عاريات الصدور العالميّة.

وضع الحريات في تونس لا يزال هشا رغم تضمن الدستور لفصول يقر بأحقيتها. بعد عام من ختمه، سيصبح دستور الجمهورية التونسية نافذ المفعول بداية من جانفي/كانون الثاني 2015. وستنظر اللجان صلب البرلمان التونسي في القوانين التي تفصل فصول الدستور ليصبح الدستور التونسي اكثر وضوحا.

قوى ديمقراطية حية

حريّة التعبير باتت في خطر في تونس؟

حريّة التعبير باتت في خطر في تونس؟

ربما لن تكون هناك خشية من اقرار قوانين تقلص من مساحة حرية التعبير لعدة اسباب اقوى من سبب سيطرة حزب نداء تونس على البرلمان. لان هناك شخصيات نقابية وحقوقية تمرست على حرية التعبير وستقف ضد كل مس من حرية التعبير، وهذا ما لم يتم تدجينها واخماد صوتها للسكوت عن تلك الحقوق.

ولكن في صورة تحقق فرضية تعديل الدستور والانقلاب على مكتسبات الحرية، فانه لا مصلحة لأي طرف المس من مكتسبات الثورة حتى وان كان معاديا لها، والسبب ان هناك قوى ديمقراطية حية في تونس وحراك مدني سيتصدى لكل مس من الحريات.

المخاوف كما كانت دوما هي من سوء تأويل القوانين وسوء استغلال السلطة وخصوصا سلطة البوليس والمؤسسات التنفيذية. فرغم وجود قوانين تمنع التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتفاظ، حصلت تجاوزات. ورغم وجود قوانين سابقة تمنع التعذيب في السجون، حصلت انتهاكات كثيرة موثقة.

منظمات المجتمع المدني الراعية لحرية التعبير وخصوصا المنظمات الدولية مازال لديها عمل كثير في انفاذ الحق في العبير وحرية ابداء الرأي وحق التمتع بمحاكمة عادلة تتوفر فيها الشروط الانسانية. ومنها حق الاشخاص المدنيين في المرور عبر محاكم عدلية وليس عسكريّة، مثل حالة المدون ياسين العياري.

حسابات ايديولوجيّة

دستور تونس

ما يلاحظ وجود خلاف ايديولوجي بين ياسين العياري ومخالفيه في الرأي ووالفكر والايديولوجيا. ويوصف العياري بأنه قريب من حركة النهضة التي توصف بمرجعيتها الاسلاميّة، رغم نفي الطرفين ورغم نفي حركة النهضة الصفة الدينية عنها وتأكيدها انها حزب سياسي مدني.

ورغم هذا الاختلاف فان هناك من يفصل بين انتماء العياري وبين مبدإ الدفاع عن حقه وحريته، وفي المقابل هناك من يكرس ما يوصف ب”الحقد الايديولوجي” وينتهز فرصة التشفي في عدوه اللدود حتى وان كان الطرف الاخر هو ايضا “صديقه اللدود” الماسك بالسلطة.

وهذا الخلط بين تصفية الحسابات الشخصية ومبدأ التآزر بين الحقوقيين ومناصري حقوق الانسان، لا يخدم حقوق الانسان بقدر ما يكرس الفرقة ويعمق الهوة الفكرية ويعيدنا الى مربع المراهقة الايديولجية خصوا الصراع اليساري الاسلامي في الجامعة والذي انتقل الى الساحة السياسية ليخرج من بينه “الاحزاب الدستورية” فائزة بمقاعد البرلمان والرئاسة وربما الحكومة في وقت لاحق.

فرّق بين المنظمات تسد

الخلافات الايديولجية التي تقترب من فقدان البصيرة بعد فقدان بعد النظر، تلوّح بإحداث قطيعة وتوسيع رقعتها لتشمل كل المسائل. وليس فقط المسائل الخلافية وإنما ايضا المتفق عليه من المسلمات مثل عنوان “الحقوق والحريات” التي يفترض أنها لا تنفصل.

وبما أن السلطة التنفيذيّة تروم بالضرورة بسط نفوذها وكسر قيود الرقابة عليها لاطلاق يدها، فانها تنتعش بشكل مريح عند حصول انقسام في جدار المجتمع المدني الراعي للحريات. وتنتعش من الصراع والتطاحن. بل هي تسعى دوما الى احداث الشروخات والفوارق وافتعال صراعات وهميّة وتوظيف السياسة فيها ليظهر في الاخير ان هناك اختلافا سياسيّا.

أذكياء مجال الدفاع عن الحريات يعرفون مواطن الالغام والفخاخ فيتجنبون الوقوع فيها، ولكن الاصطفاف الحزبي والايديولوجي يجعل جدار الدفاع هشا وسهل الاختراق.

حريات هشة

فصل دستور

كان من المفترض أن يتفق الفرقاء على أمر واحد وهو مبدأ الدفاع عن حقوق الانسان وعن حرية التعبير والحريات العامة. وهذا يسهل عليهم حسم الخلافات وطرحها جانبا. ولكن هناك من يسقط في مستنقع الانقسام السياسي.

وما يلاحظ أن تداول اكثر من حزب على السلطة بعد 14 جانفي، جعل مواقف انصار كل حزب تختلف من موقع كونها في السلطة عن موقعها في المعارضة. ولا ادل على ذلك من انصار الترويكا الذين كانوا يجدون تبريرات لايقاف مدونين وفنانين ثم اصبحوا يحتجون على ايقاف امثالهم في قضايا مماثلة. والعكس صحيح لمن كان يعترض على مثلا على ايقاف من خرج يحتج وأحرق مقرّا حزبيّا، ويبرر ذلك الفعل بحرية التعبير والتظاهر. ثم أصبح هو نفسه ذلك الموقف عكسيّا بدعوى فرض “هيبة الدولة” وفرض الهدوء

لا شك أن الحريات والحقوق مهددة لأنها ما تزال هشة وغير مقننة. لان النص الدستوري حاليا هو عام وشامل ويحتاج الى تدقيق وتفصيل وبالتالي وجب أن تكون النصوص الترتيبية في حجم تطلع شعب وخصوصا الشباب، الذي ذاق من طعم لحرية وضاق من قمع الحريات.

مدونة ياسين العياري
http://mel7it3.blogspot.com/
التعريف بياسين العياري

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D9%8A