ذكريات “الفلقة” اللذيذة في المدرسة

مدونة تكروان- مدونات عربيّة

كتب ناجح الزغدودي
تفاصيل اليوم الأول للدراسة في طفولتي، يمرّ مامي خاطفا يحمل بعض المشاهد القصيرة ولكنني لا ذكره بدقة. ليتني وقتها التقطت صورة ودونتها. ليت والدي فعلها. ليت والدي كان يملك آلة تصوير. ليت الظروف التي عيشها كأب مع أبنائه توفرت لوالدي يومها عام 1984.

ذكريات يومي الأوّل في مدرسة الأغالبة بالقيروان أثارته مشاعر مرافقة أبنائي إلى المدرسة. هو شعور قديم عشته العام الفارط بشكل جزئي واكتمل هذا العام وتحديدا يوم السبت 13 سبتمبر قبل يومين من العودة المدرسيّة الرسميّة.

لقد تلاصقت صورة ولديّ محمد أمين مع وصال. وصال بالسنة الثانية ابتدائي ومحمد أمين بالسنة التحضيريّة. Read more

موسم الدمى المتحرّكة

هنا مدونة تكروان العربيّة

* كتب ناجح الزغدودي

انطلاقا من العاصمة البريطانيّة لندن وبواسطة “السكايب” وقناته “المستقّلة” استطاع الهاشمي الحامدي، الذي لم يدخل تونس ولو بعد ثورة 14 جانفي 2011، أن يحقق نتائج غير متوقعة في انتخابات المجلس التأسيسي أكتوبر 2011. جنود الحملة الانتخابيّة الّذين حرّكهم الحامدي عن بعد مثل دمى متحرّكة، لم يكن لديهم أيّ رصيد نضالي سابق ولا معروفين على الساحة السياحيّة. وكانت وعود الحامدي، الخبز بنصف السعر والصحة والتعليم والنقل المجاني ومنحة البطالة والزواج للشبّان هي ما ساهم في نجاحهم. فواصلوا الوفاء له واتّباعه.

في محافظة القيروان، وسط تونس، فازت قائمة العريضة الشعبيّةالمستقلّة بمقعدين في المجلس التأسيسي، والذي كانت مهمّته الأساسيّة كتابة ثالث دستور بتونس وثاني دستور بعد الاستقلال سنة 1956. الفائزان هما رمضان الدغماني وريم الثائري، في رأس القائمة حسب قانون التناصف.

الفتاة الخجولة التي لا تزال يخفي غطاء الرأس (حجاب) مساحة من وجهها، إبنة الثلاثين عاما، لم تبذل في سبيل الفوز سوى ترويج الوعود الانتخابيّة لزعيمها الهاشمي الحامدي. ولم تحتج سوى إلى مدير المدرسة رمضان الدغماني أصيل مسقط رأسها بمعتمدية بوحجلة بمحافظة القيروان ليقدّمها لزعيم العريضة الشعبيّة الحامدي، فيقرّر اهداءها الترتيب الثاني في قائمة العريضة الشعبيّة في انتخابات 2011.

وخلال فترة الحملة الانتخابيّة لم تعقد أي اجتماع شعبي ولم تظهر في أي ندوة صحفيّة ولا حوار صحفي ولا تدخل اعلامي. وانما كان رصيدها الوحيد هو اسم “الزعيم” وصورته ووعوده قي صورة فوزه بالرئاسة وعودته الى تونس. ولكنه لم يعد وتواصلت الوعود.

خرّيجة الجامعة، اختصاص أنقليزيّة، ريم الثائري، الّتي لم تظهر في أيّ حراك سياسي أو مدني أو طلابي قبل الثورة. وجدت نفسها بعد ثمانية أعوام من البطالة ضمن كتل المجلس التأسيسي، ومن أصغرهم سنّا. وهي لم تعرف وظيفة تدرّ عليها مرتّبا، قبل مرتّب التأسيسي الذي أثار الكثير من الجدل.

بخلاف زملائها، أيمن الزواغي وابراهيم القصاص، الذين اشتهرا بالفكاهة والحديث عن الأكل والمنح، وعن النكاح أحيانا، فإن حضور الثائري في المجلس التأسيسي وتدخلاتها كانت تتحدث فقط على بطولات زعيمها الهاشمي الحامدي وبرنامجه الانتخابي وبطولاته. في حين تعرضت الى الانتقاد والهجوم من قبل أهالي القيروان هي وبقيّة النوّاب عن الجهة بسبب “سلبيّة التدخلات” وعدم خدمة الجهة ولا تحسين مستوى التنمية.

صلتها بالهاشمي الحامدي لم تنقطع، بخلاف رئيس القائمة رمضان الدغماني، الذي تململ كثيرا صلب كتلة العريضة الشعبيّة ثم خيّر الالتحاق بكتلة سياسيّة أخرى وعد رئيس حزبها باحداث قنطرة في البحر بين تونس وايطاليا. بينما حافظت الثائري على علاقتها ب”زعيمها”.

تلغي نفسها أمام “هيبة” الحامدي المقيم وراء البحار، وتقرّ في تصريحتها “أنّ من انتخبوها، لم يكونوا يعرفونها وإنما صوّتوا للهاشمي الحامدي وبرنامجه الانتخابي. وهي لا تخجل من وصفه ب”الزعيم”.

واصلت الدفاع عنه أمام زملائها في تيّار المحبّة، الامتداد السياسي للعريضة الشعبيّة. ومانعت حركة الانشقاق التي قادها عدد من زملائها المنشقين. واعتمدت على رصيد الحامدي و”الأصل التجاري لوعوده”. كأنّ الدكتور الغيضاوي وغيره من النخبة المنشقّة غير قادرة على الابتكار أو الابداع بعيدا عن توصيات زعيمهم الذي تمرّدوا عليه.

ريم الثائري من بين 12 فقط، ترفض المصادقة على الدستور، من مجموع 217 نائب مع أنها قبضت مرتبها لكتابة الدستور. وكانت حجّتها تمسّك كتلتها بأن تكون الشريعة الاسلاميّة المصدر الأساسي للقوانين والدستور وأن يتضمّن الدستور وعود الهاشمي الحامدي.

هل تتكرر المصادفة؟

لا تفوّت فرصة الإجازة التي تقضيها في القيروان، فتعقد اجتماعاتها في مقاهي مدينة بوحجلة، أكثر معتمديّات القيروان، كثافة سكّانيّة، وأكثرها نسبة في الأميّة والبطالة والانقطاع المبكّر عن الدّراسة وفي نسبة الشباب المقدّرة ب40 بالمائة، وكذلك الأكثر ارتفاعا في نسبة الخصوبة. وقد أثمرت لقاءاتها قاعدة محترمة من الأنصار والمؤيدين من تلك الفئة الّتي تؤمن ايمان العجائز وتسلّم دون نقاش.

الدّعاية التي تقوم بها الثائري، هي دعاية ل”الهاشمي الحامدي” الذي تعتبره “مؤسس الحزب وصاحب الأحقّية في الفوز”. وقد احتجّت سابقا على إقصائه من الترشّح للرئاسة بدعوى حيازته لجنسيّة ثانية. كما احتجت بالإضراب عن الجوع تضامنا مع حلّ العريضة الشعبيّة. وتعتبر الثائري أن وفائها للحامدي هو “التزام أخلاقي” حسب موقفها.

ونظرا لأنّ الوعود التي قدّمتها للناخبين، وهي الوعود الاجتماعيّة، لم تتحقّق، فإنّ النائبة الثائري ترى أن عملها متواصل في حزب “الحامدي” إلى حين فرض تلك البرامج وتحويل الوعود الى حقيقة.

تلميذة الزعيم

555

ما حققته العريضة الشعبيّة من نتائج في انتخابات 2011، وصفه المراقبون بكونه مفاجأة، ولكن تطلق عليه الثائري عبارة “عدم الانتباه” في ظل الاستقطاب السياسي بين كبار الاحزاب والقائمات. حيث لم يتم توقع فوزها ضمن العشرة الأوائل وأهملتها مكاتب الاستبيان. كما اعتبرت أنّ الاعلام حطّ من فرص نجاح العريضة الشعبيّة ولم ينتبه لما تقوم به.

اختصار البرنامج الانتخابي في ثلاث نقاط، وهي الصحة المجانية والنقل المجاني ومنحة البطالة، لا يتطلّب في نظر صاحبة شهادة الأستاذيّة، اجتماعات مطوّلة ولا ندوات أنيقة في النزل الفخمة، ولا حملات دعاية عبر اللافتات، وكلّ ما نحتاج إليه هو “التواصل المباشر مع المواطنين”.

لا نحتاج إلى كراء فضاء لعقد اجتماع شعبي، وإنما نجتمع في المقاهي”. توضح النائبة. وتوجد في ولاية القيروان نحو 400 مقهى.

وتكرّر الثائري مسألة ثقتها في شخص الهاشمي الحامدي الذي ترافقها صورته في كلّ الاجتماعات وعن عودة الاستبداد من خلال مثل هذه التصرفات التي تؤله الشخصيات ترى فاة القيروان: “لا نخشى تغوّل الحامدي ولا سيطرته على الحزب” ولدينا ثقة كاملة في الحامدي” والإيمان بزعامته. وتعبّر عن ذلك بكلّ فصاحة ودقّة انتقاء للعبارات، فهي صاحبة شهادة عليا. ولكن في مجال السّياسة، فهي تعتبر نفسها تلميذة زعيمها الحامدي. وتعيد الكرّة في انتخبات 2014 التشريعية على رأس قائمة تيار المحبة التي يتزعمها الحامدي.

 

 

 

 

 

مواطنون درجة ثانية من الكرامة بعد الثورة

كتب ناجح الزغدودي من تونس

MARفي مدينة القيروان وفي عديد الأماكن العمومية، يلاحظ المواطنون وزوار المدينة وجود مواطنين في أوضاع غير إنسانية: على الرصيف يفترشون الأرض ويتلحفون السماء أولئك هم المشردون. يلتمسون طعامهم من الطريق لا رعاية ولا متابعة ولا تغطية اجتماعية، مسنون من النساء والرجال.

نظرات بين العطف والشفقة ومساعدات تجود بها بعض الأيدي. مساعدة ظرفية قد تساعد على تجاوز حاجات ظرفية لكنها لا تفي بالغرض. فاقدون للسند والرعاية الاجتماعية والصحية، بعضهم يستعطف الناس لقمة وبعضهم يهيم على وجهه على غير هدى كمن فقد عقلهم. ولعل بعضهم هو كذلك.

قرب إدارة الكهرباء بالقيروان، لفت انتباهنا شيخ مقعد كدست من حوله أدباش وهو لا يحمل من الملابس أي خرقة وبقربه كرسيه المتحرك والناس من حوله يسألونه عن هويته وعن أسرته فيجيب بتمتمات غير مفهومة.

مشرد

مثل هذا المسن المشرد كثر شاهدهم المواطن وعطف عليهم وبعضهم التقط له صورا. وهؤلاء ينتشرون أمام المؤسسات العمومية وأمام المساجد منهم من يتسول ومنهم من هو هائم على وجهه يحمل على ظهره هموم الحياة في شكل كيس مليء بالملابس ومما جمعت يديه بشكل أشبه ب«سيزيف» الأسطورة الذي يحمل على ظهره حجرا. ويحمل بعضهم كتبا ويمشي حافي القدمين بين المقاهي والأسواق. منهم من يضايق الناس ومنهم من يثير عطفهم فيساعدونه.

وتنتشر في شوارع القيروان حالات من البشر يهيمون على وجوههم حفاة يتجولون بين المقاهي يستجدون الناس عطفهم. ومن بين هذه الحالة، تلك المرأة التي تداولت صورتها مواقع التواصل الاجتماعي. نشرتها شخصيّا وتفاعل معها الناس بشكل متفاوت بين الشفقة والقسوة. كانت تنام أمام المستشفى لساعات. أخبر رواد موقع الفيسبوك في تعاليقهم أن لديها أسرة وأنها تتعمد الهرب من أسرتها وتبيت في الشارع وتهيم على وجهها. ربما تحتاج الى رعاية صحّية أو رعاية خاصة.

وقرب جامع الفتح بالعاصمة، افترش مسن حشية على الأرض واستغرق في نومه بعد جهد من التجوال بحثا عن لقمة العيش. سبيل هؤلاء في الحصول على القوت هو التسوّل.

ظروف قاسية قد تكون ألقت بهم في متاهة الحياة. أغلبهم يواجهون ظروفا صحية صعبة على المستوى الذهني والنفسي. ورغم أنهم لا يشكلون خطرا على الناس في الغالب، إلا أنه وجب توفير الإحاطة الاجتماعية لهم والرعاية الصحية.

هذه الظاهرة تفاقمت في القيروان ووجب على المجتمع المدني والسلط الجهوية التدخل لحمايتهم. بقيت مسألة أطفال الشوارع التي يجب إيلاؤها الاهتمام اللازم من قبل مندوبية حماية الطفولة لأن الظاهرة تتفاقم وهؤلاء احترفوا التسول ويتم استغلالهم من قبل أطراف خفية تحركهم ثم تسلبهم كرامتهم. ووجب على المؤسسات الحكومية التدخل لرعايتهم سواء عبر إدارة الشؤون الاجتماعية أو إدارة الصحة أو مركز رعاية المسنين أو الجمعيات الأخرى.  .

غياب مراكز الايواء

LOU

ما قبل ثورة 14 جانفي 2014،  كانت هناك في محافظة القيروان، لجنة جهوية مكلفة بمكافحة التسول والتشرد مشتركة بين الشؤون الاجتماعية والأمن حيث يقومون بحملة ويتدخلون لمساعدة الحالات التي تتطلب مساعدة وبين أنه بعد الثورة لم تعد هناك أية حملات لمكافحة التشرد. وقال أنه كان يتم التنسيق مع مركز رعاية المسنين ويتم إيواء فاقدي السند من بين المشردين. وقال المسؤول أن عددهم اليوم أصبح كبيرا ومركز رعاية المسنين يحتاج إلى توسعة. وأكد أن الحل يكمن في إحداث مركز لإيواء المشردين وخصوصا منهم المعوقون وتوفير المختصين بالرعاية. وبخصوص الأطفال المتسولين فقد بين أن معظمهم يأتي من خارج ولاية القيروان ودعا إلى التصدي للظاهرة والا ستستفحل. وأشار إلى وجود مركز الطفولة بحفوز الذي يتم التعامل معه بالتنسيق مع مندوب حماية الطفولة.

هي ظاهرة استفحلت نتيجة قسوة الحياة وسرعة النمط الاقتصادي وتوحش الرأسمالية. لكن لا شك أن الأبعاد الانسانية وروح التآزر مازالت متوفرة في الناس لكنها لا تخلو من الشفقة.

وفي تونس التي عرفت ربيعا عربيا تحت مسمى الثورة، ثورة الكرامة، وجب على مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع المدني أن تتدخل للمساعدة عبر الاحاطة والتأهيل ولم لا الاقامة والتكفل بالايواء والاعاشة والتنسيق مع عائلاتهم والجهات الاجتماعية والقضائيّة.

حتى لا تهان كرامة الانسان وحتى لا يضطر المضطربون نفسيا والمعوزن الى بسط اليد بالتسوّل، وجد حفظ كرامتهم وتوفير موارد رزق قارة ورعايتهم صحيا واجتماعيّا.