في عيدها الرابع، التونسي يراقص الثورة بقفة فارغة

* ناجح الزغدودي

يوم 14 جانفي/كانون الثاني 2015، استعاد الشعب التونسي ذكريات ثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011. فقرر الاحتفال بمرور أربعة أعوام من الثورة التي شهدت تقلبات سياسيّة واجتماعيّة وتغيرات كثيرة على الصعيديالسياسي والاجتماعي والاقتصادي.

في هذا الاحتفال حضرت الخطب السياسيّة والمطالبة بقتلة شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ومطالب اجتماعيّة أخرى منها التشغيل وتحسين القدرة الشرائيّة. وقد كانت قفة المواطن الفارغة حاضرة تبحث عن سبل ملئها في ظل ارتفاع الأسعار. وفي النقل التالي قمنا برصد عديد الآراء والصور والتصريحات.

عائلات تحتج على وضعها الاجتماعي

عائلات تحتج على وضعها الاجتماعي

بالقرب من تظاهرة نظمها حزب التحرير بتونس قرب مبنى وزارة الدّاخليّة القائمة بأسرارها العميقة في قلب شارع الحبيب بورقيبة، وقد كانت تدعو الى الخلافة ويؤكد ناطقها الرسمي بقرب تحققها، كان كهل في العقد الخامس يستعين بعكازين من أجل الوقوف وهو يرفع قفّة من السعف كانت فارغة.

حمل قفة فارغة تعبر حسب التراث التونسي عن عدم القدرة على شراء الحاجيات نتيجة عدم توفر المال. وتعبر عن الفقر والمشاكل الاقتصاديّة. ويستعمل مصطلح “قفة المواطن بشكل متواتر في تصريحات وسائل الاعلام وفي تصريحات السياسيين خصوصا بعد الثورة في خضم التجاذبات.

خبز في شارع الحريّة

يبادر صاحب القفة بالقول إن سبب خلو قفته من المواد الغذائيّة هو “حمّه الهمامي” مرشح الانتخابية الرئاسية للجبهة الشعبية مشيرا الى كثرة حديث الهمّامي عن “خالتي مباركة”. معتبرا أنه بعد الانتخابات بقيت الوعود ولم يتحسن وضع المواطن الفقير. كما تحدث صاحب القفة عن اعاقته وعدم توفر مورد رزق لديه.

في هذا الشارع خرج الالاف واسقطوا النظام بعبارة ديقاج

في هذا الشارع خرج الالاف واسقطوا النظام بعبارة ديقاج

سيدة أخرى كانت تعلق في أعلى هراوة قفة يزينها العلم التونسي الأحمر. وكانت القفة مقلوبة الى الأسفل في إشارة لكونها خالية. كانت صاحبة القفة تحتج أمام قصر المسرح البلدي بجوار وقفة احتجاجية لاتحاد المعطلين عن العمل. وكانوا بدورهم يتحدثون عن البطالة والفقر وارتفاع الأسعار. وتحدثت المرأة من جهتها عن مشاكل ارتفاع الأسعار مقدمة عينات من الأسعار التي بلغت حدّا أقصى خصوصا خضر البصل والبطاطا والحليب واللحوم وارتفاع الكهرباء والماء وغيرها من تكاليف الخدمات.

قفة المواطن فارغة

الخبز يساوي الكرامة

عندما خرج جزء من المواطنين في الحراك الإجتماعي احتجاجا على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي سقط يوم 14 جانفي، كان هناك شعار وحد المحتجين من الشمال الى الجنوب وهو “خبز حريّة كرامة وطنيّة”. ثم تدرجوا في الاحتجاج بشعار “خبز وماء وبن علي لا” في تعبير عن الصبر والتحمل من أجل تحقق الثورة.

فقد رفع مواطنون رغيف الخبز في الاحتجاجات أيام الثورة خصوصا بين 10 و14 جانفي 2011، في شارع الحبيب بورقيبة والذي تحول اسمه الى شارع “الثورة” وتحديدا قبالة وزارة الداخليّة التونسيّة كان هناك من يحتج وبيده رغيف خبز. يومها كانت العائلات الفقيرة والمعوزة تئن تحت خط الفقر وتحترق بلهيب الأسعار مقابل حياة مترفة لفئة قليلة من رجال الاعمال وأصهار الرئيس المخلوع التي تتحكم في المال والأعمال ودواليب التجارة الرسميّة والموازية وخصوصا استيراد الموز.

 

يومها كان رغيف الخبز أكثر من شعار. رفع أمام وزارة الداخليّة. مثلت به اداة الرشاش تحاكي رشاش قوات الأمن والقناصة المتهمين بقتل شهداء الثورة الذين فاق عددهم 300 شهيد دون التعرف الى هوية القاتل. وقد كان من يحمل الخبز تبدو عليه مظاهر الفقر. وهذا علاوة على رمزية رغيف الخبز التي تعود الى ثورة أحداث الخبز في 3 جانفي1983.

الخبز سلاح اجتماعي يسقط السلطة

الخبز سلاح اجتماعي يسقط السلطة

ثورة الخبز؟

بعد 4 سنوات من الثورة عادت المطالب الاجتماعيّة لتحول فرحة الاحتفال بعيد الثورة الى مرارة. “الثورة لم تتحقق بعد والمواطن الفقير هو الخاسر الأكبر”.

غاب الخبز عن الاحتجاجات في عيد الثورة 4

غاب الخبز عن الاحتجاجات في عيد الثورة 4

ورغم أنه لم يرفع رغيف الخبز في الاحتجاجات وعوضته القفّة، فإن الخبز كان حاضرا لكن للبيع من خلال عرض أرغفة خبز تقليدي يعرف في تونس ب”خبز الطابونة” وهو خبز تقليدي.

بيع الخبز في شارع الحبيب بورقيبة

بيع الخبز في شارع الحبيب بورقيبة

وقد كان كهل يتولى البيع في نقطة أولى قرب منصة احتفاليّة لحركة النهضة التي بدت سعيدة بالدستور والانتقال الديمقراطي وفق تصريحات ممثلها عبد الكريم الهاروني وزير النقل السابق.

وقال بائع الخبز إنه بيع الخبز هو مورد رزقه وتحدث عن صعوبات اقتصادية ناجمة عن ارتفاع الأسعار لكنه بدا متفائلا بالمستقبل رغم تأكيده أن الثورة استفاد منها “قلة من الشخصيات السياسية والانتهازيّة”.

بدل الاحتجاج بالخبز هناك بيع للخبز

بدل الاحتجاج بالخبز هناك بيع للخبز

ونقطة بيع الخبز الثانية قرب مجموعة من السيارات الأمنية التي كان أعوانها مدججون ومنتبهون لكل الحركات كأنهم ينتظرون أوامر أو تعليمات بالتدخل. وكان هناك شاب يبيع خبزا في شكل اقراص قطرها أكبر من الحجم المتعارف عليه وكان سعرها مضاعفا للاحجام المتوسط العاديّة. وكان يبيع الخبز شاب تحدث عن تجربته في العمل بمخبزة، كما أشار إلى ارتفاع أسعار المواد الأوليّة وهو ما دفع  أصحاب المخابز الى ارتكاب بعض التجاوزات.

سياسات خاطئة

يعتقد مهدي الجلاصي الناشط المدني والسياسي أن المواطن الفقير تضرر من سياسة الدولة التي لم تتجه نحو الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وقال بعد 4 سنوات من الثورة الحكومات لم تسع الى التخفيف في الاسعار. وفي المقابل ارتفعت الاسعار وتدنت الاجور. وتدهورت القدرة الشرائية بشكل كبير لفئة المواطنين وارتفعت نسبة المواطنين.

وهو نفس الموقف الذي عبر عنه عضو باتحاد أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل مشيرا الى أنه بعد 4 سنوات من الثورة بقي المعطلون في آخر اهتمامات الحكومة التي شهدت تنازعا على السلطة. وأشار الى تزايد نسبة الفقر والاجتماعية.

 أزمة الفقراء تتفاقم

تعاقبت على السلطة منذ 14 جانفي 5 حكومات وقتية. منذ خطاب المخلوع بن علي واقرار خفض سعر رغيف الخبز المدعوم من الدولة بين 190 و230 حسب الحجم، لم يتغير سعر الخبز. ولكن أسعار عديد المواد الاستهلاكيّة ارتفعت خصوصا المدعومة بعد قرار الرفع التدريجي للدعم وهي آلية اقتصادية اعتمدتها حكومة مهدي جمعة التي استلمت الحكم في ديسمبر 2014، وهذا في اطار شرط من صندوق النقد الدولي الذي فرض شروطا منها رفع الدعم وايقاف الانتدابات في السلك العمومي.

بعد صبر طويل اصبح المواطن التونسي لا يجد العبارات للنطلق

بعد صبر طويل اصبح المواطن التونسي لا يجد العبارات للنطلق

رغم التحسن النسبي لأجور الموظفين فإن القدرة الشرائيّة واصلت التدني وبلغت حدتها مع بلوغ الدينار التونسي أدنى مستوياته مما تسبب في تضخم مالي. لكن العائلات المعوزة لم تحصل على مساعدات ولا على موارد رزق. وقد كان الانتداب في العمل الهش ضمن آليات الحضائر والآليّة 16، فرصة ضئيلة لا تسمح بتحسين ظروف جميع العائلات من خلال مرتب لم يبلغ الأجر  الأدنى الفلاحي ولا الصناعي “سميق”.

غياب الخبز عن الاحتجاجات ربما يعود الى تطور اشكال اخرى للاحتجاج مثل اللافتات والكتابة والتصوير، وليس لأن ظروف المواطنين تحسنت. وأكد الحزب الجمهوري في مسيرة نظمها بمناسبة الاحتفال الى ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعيّة. ولكن يبدو ان أكثر العائلات بدأت تتجه الى أساليب أخرى لكسب قوتها سواء مخالفة القانون أو التسوّل.

شاهد المرأة المتسولة ماذا تقول