القيروان في ليلة القدر: مدينتي هي الأجمل

عندما تلتقي نفحات ليلة خير من الف شهر مع مدينة مثل القيروان، أوّل قبلة اسلامية في تونس وافريقية، فانه لاشك ستكون هناك اجواء احتفاليّة رائعة.

أعداد كبيرة من العائلات التونسية من كامل انحاء الجمهورية ومن المواطنين المقيمين بالخارج وتوافدوا على المعالم الاسلامية مثل جامع عقبة بن نافع ومقام ابي زمعة البلوي وسط اجواء عالمية مفعمة بالفرحة والنفحات وسط تعزيزات امنية منتشرة في مختلف النقاط بولاية القيروان.

غابت الاحتفالات الرسمية على مستوى وطنية وسط تبريرات امنية، لكن الواقع فند تلك المخاوف والمزاعم. فالناس يتجولون وسط مدينة القيروان فرادى وجماعات وسط اجواء احتفالية وتواجد امنية مكثف للشرطة العدلية ووحدات التدخل وشرطة النجدة. هؤلاء لم يمنعهم بعد المسافات ومخاوف الطريق من التنقل ليشهدوا مناسك ليلة القدر ويلتمسوا نفحاتها محافظين على عادات راسخة وطالبين لخصوصيات لا تتوفر سوى في القيروان، عاصمة الاسلام الاولى ورابع قبلة في العالم.

الاحتفاء بليلة القدر، نحى منحى جهويا وحافظ على طابعه العفوي بفضل غياب المراقبة الامنية المشددة التي ترافق زيارات الوزراء والرؤساء. فكانت اجواء اكثر تلقائيّة وحميمية واجتماعيّة.

ففي جامع عقبة بن نافع، منارة الاسلام والعلم والقرآن، ومثل بقية المساجد، تم ختم تلاوة القرآن الكريم في صلاة التراويح. ومن بعدها انتظم حفل توزيع جوائز مسابقة حفظ وترتيل القرآن الكريم الذي مازال ينير قلوب الشبان ويستهويهم ومنهم من قدم من بلدان افريقية، لتحافظ القيروان على دورها العلمي. وهي مسابقة تقيمها الجمعية الجهوية للقرآن الكريم وتخصص لها جوائز قيمة وشهادات. واشرف على الحفل الاطارات الدينية الجهوية الى جانب عديد الشيوخ وأعضاء الجمعيّة.

على صعيد آخر شهد مقام ابي زمعة البلوي، الصحابي الجليل توافد عدد غفير من الناس ومن العائلات التي جاءت من معتمديات القيروان ومختلف الولايات لختان ابنائها بالمقام تيمنا بالمكان وتبركا كما دأبت عليها عاداتهم المسترسلة. وقد انتظروا الى حين انتهاء صلاة التراويح ليفدوا الى المقام فرادى وجماعات في موكب من الزغاريد ونقر الطبول والدربوكة وسط صراخ الأطفال المتألمين من الختان. وهنا تمتزج دموع الفرحة بدموع الاطفال فلا يهدأ من روعهم سوى الحلويات واللعب. وتختفي الوجوه خلف دخان البخور المتعالي. ولا يفوت الشبان فرصة للمزاح والمعاكسة.

النشاط التجاري شهد ازدهارا اكبر من بقية الليالي في هذه الليلة المباركة. انها ليلة موسم يحمل فيه الخاطب هدية لخطيبته. وتنتصب الاسواق التجارية عارضة مختلف المنتوجات المستوردة من ملابس وأحذية متنوعة الماركات من تركيا وسوريا ومن آسيا، ومواد تجميل وزينة ولعب للاطفال مختلفة بين الالعاب النارية والبالونات وجميعها صينية الصنع وحلويات.

وتنشط هذه الاسواق الموازية بباب الجلادين خصوصا وعلى طول سور المدينة العتيقة باتجاه باب الجديد. وتنافس هذه المعروضات بضائع المحلات التجارية من حيث السعر. وتضطر العائلات الى اقتناء رغبات الاطفال من ملابس العيد من هذه المعارض الموازية بسبب ضغط الاسعار المتعالية على جيب المواطن.

يستغل اعوان التسجيل والناشطين في الجمعيات الاهلية المتطوعون لتسجيل الناخبين، هذه الحركية الكثيفة فينصبون خيمات التسجيل ويعلو صوت الداعي الى التسجيل عبر مكبرات الصوت. وقد انتصبت خيمات وسط ساحة باب الجلادين تجامل رواد المقهى المقابل تارة وتغازل عاطفة ارباب العائلات. في حين تنافس خيمة أخرى فرقة السلامية التي تقدم عرضا فلكلوريا.

كان هناك انتشار امني موسع. تم ايقاف بعض الاشخاص المفتش عنهم. لاشيء يمكن ان يبث الخوف أو يذهب امان المواطنين كما بررت الجهات الرسمية الغائها لزيارة القيروان. فقد عمت الفرحة والبهجة ولم يؤثر قرار غلق المساجد في الاحتفاء بليلة القدر وفي سائر العبادات لانه في القيروان تم غلق مسجد وحيد حسب الواعظ الجهوي الذي افاد انه غلق وقتي.

هذا نزر قليل من اجواء مدينة القيروان. المدينة التي افكر في هجرها بسبب سلبية بعض اهلها ولكن وان هجرتها فهي الاجمل وهي الاحب الى قلبي.