حلم امرأة سرق الزمن الذكوري حلمها   

كتب ناجح الزغدودي

 خبز

 في زحام الضوضاء وتلاسن الغوغاء حول موضوع المراة، هل هي نصف المجتمع أم فقط موضوع تناصف انتخابي. وعلى ايقاع مناصرة القضايا الحقوقيّة للمرأة أردت أن أدلي بدلوي.

 أتركوا المرأة في حال سبيلها فهي عزيزة كريمة محترمة…تحدثني نفسي العاشقة لثلاث نساء اجتمعن قدرا في قلبي.

هن لا يتساوين ولا يتشابهن. فأمّي الّتي زرعتني وسقتني دموعا ودما خالص المحبّة، هي أمّي لا مثيل لها يشبهها من دون العالمين نساء ورجال. وزوجتي التي زارت قلبي وخيرت المكوث فيه، هي زوجتي لا تحتاج الى تعريف ولا تشبيه. أمّا ابنتي فهي قطعة منّي وشجرة تكبر بين ضلوعي أشتاق الى زهرها. وثلاثتهن حوّلن قلبي إلى حديقة.

مع إيماني بأنّ الأنثى لا تحتاج الى ضدّ لتعرف ولا الى نجاح استثنائي يظهر مهارتها. لأنها وهي مبدعة فهي أنثى. وهي محلّقة في الفضاء أنثى. وهي طبيبة بلسم للجراح أنثى تداوي قلب العاشق بنفس الدّاء.

 لا يفترض أن أكتب شيئا عن المرأة وحق المناصفة والتناصف أفقيّا وعموديّا. ولست أفهم التناصف. أنا من هواة تسمية الأشياء بمسمياتها. الطبيب طبيب لا يميز بينهما المريض في الجنس. والمهندس مهندس لا تحتاج البناية للتعريف بالهويّة. والفلاح فلاح، لا تحتاج الأرض إلى شرح للنوع الإجتماعي…وقس على ذلك ما تشاء.

 امراة

قصص المرأة التي تظلم وتحرم كثيرة. وطالما أنّه أصبح عليّ لزاما أن أخوض معكم في الموضوع فهذه مساهمتي. فأنا لا أريد أن يفسّر تفكيري الباطني على غير محلّه.

جانب من معاناة امرأة أعرفها…امرأة قائدة وسط قطيع الذئاب. هي تقول يكفي ظلما وتهميشا…أنا المرأة لا ناقصة.

نعيمة العويساوي سائقة سيارة أجرة، تاكسي، هي صورة غير عاديّة للمرأة في القيروان وفي تونس. جاءتني يوما مستنجدة باحثة عن داعم لها ومساند لتحصل على حقها وتنال حظها من براثن الذئاب…أعضاء النقابة المتغوّلون منذ عهود قديمة. استنجدت بصحفي يبلغ نداء استغاثتها. وهي ترى نفسها في الأخير إمرأة.

 لا تستحضر، نعيمة أنوثتها وهي جالسة على كرسي قيادة سيّارة التّاكسي. فهذه المهنة تتطلّب القوّة والصّلابة وقد استفادت من تدريبات رياضة الدّفاع عن النّفس لتغيّر النّظرة إلى الجنس اللّطيف وتجعل يديها متوازنة على المقود ومع ذلك فهي غير مستقرّة في عملها.

 الإنفلات الأمني وأحداث العنف جعلت أرباب سيّارات التّاكسي يخشون تشغيلها، لكونها إمرأة. لكنها استطاعت أنّ تذهب عنهم الحزن والمخاوف.

 فنعيمة هي ثاني إمرأة تمتهن سياقة التاكسي، وهي مهنة لا تزال في القيروان حكرا على الرّجال. حيث ينشط فيها أكثر من ألفي رجل.

حلم قيادة السيّارات، وخصوصا سيارات القوّة والسّباق، قديم لدى نعيمة وروادها قبل أن تنشغل بحرفة الطريزة والخياطة والرّسم، وهي هويات أتقنها واشتغلت بها كما تعلّقت برياضة “التايكواندو” وحصلت على حزام أسود.

 شغفها بالقيادة، استحوذ على اهتمامها وكان أكثر من هواية، بل مورد رزق لها ولأسرتها الّتي تعيلها.

تبتسم نعيمة وهي تستقبل حرفاءها كأنّها تريد أن تبثّ في نفوسهم الاطمئنان، حرفاءها من النّساء والرّجال. لا تختلف معاملتها للجنسين، وتهب هدوءها لحريفاتها من النّساء عند مجاورتها في المقعد الأمامي، وتقنع رجلا خاصم زوجته الّتي افتكّت مقعده الحصريّ.


قليلة الكلام، لكنّها كثيرة الإلحاح على حقّها الّذي ترى أنّه سلب منها في زحام المتكالبين على التراخيص والمسمسرين بالبطاقات المهنيّة.

 تحتفظ في سرّها بهموم كثيرة، تحكيها لمن يعرفها وتعرف أنّه قادر على مساعدتها أو تبليغ صوتها. أوّل همّها الحصول على ترخيص لسيّارة أجرة لتكون صاحبة سياّرة أجرة. وثانيها حسن كفالة أبناء شقيقها الّذين هم في كفالتها.

 في ذكرياتها الّتي تعبّر عنها، والدها الّذي توّفي مريضا ولم تستطع توفير الدّواء له ورابعها حياتها الخاصّة وهي الّتي تجاوزت الأربعين من عمرها ولم تتزوّج.

مضت 18 سنة منذ تحصّلها على رخصة سياقة التّاكسي في اختبار مهني. وهذه الأقدميّة، تمّ تجاهلها مرارا عند إسناد الرّخص. وتقول إنّها ظلمت وهضم حقّها وهي لا تزال تنتظر دورها في الحصول على رخصة التّاكسي، لتستقل بذاتها وتحصل على حرّيتها، وتعيل أسرتها باقتدار، وتحقّق حلمها الّذي قدّمته على صناعة الزربيّة والطّريزة. 

حلم الزواج الّذي يراود كل امرأة ورجل بلغ النضج النفسي والجنسي والاجتماعي، تجاوزها ولم يعد يراودها.

naima

تفرّغت لكفالة والدها قبل وفاته بمرض السّرطان ورعاية أشقّائها وعندما فرغت منها انتقلت إلى مسؤوليّة أخرى وهي العناية بوالدتها المسنّة بالتّوازي مع كفالة أبناء أخويها العاطلين. فموقعها المتقدّم في ترتيب الأبناء، حمّلها مسؤوليّة ثقيلة، واعتبرته واجبا مقدّسا. فكانت النتيجة هي سرقة شبابها.

تنطلق منذ السّابعة صباحا، تنظر دورها للعمل على سيّارة التّاكسي الّتي هي على ملك رجل مثل باقي الخمسمائة تاكسي الباقية في القيروان، وتعود بعد ساعات العمل، قنوعة بما حصلت عليه غير ساخطة ولا متوتّرة من ضوضاء حركة المرور الكثيفة وسط مدينة القيروان.
همّها الوحيد الّذي تعيش على أمل تحقّقه هو أن تسند إليها رخصة التّاكسي. وترى أنّ طبعها الهادئ الخجول جعلها تفقد الأولويّة في عالم سيطر عليه الرّجال ونخرته الحسابات والمحسوبيّة والتّجاوزات. ومع ذلك فهي تخجل من ذكر من سلبها حقّها بسوء أو اتهامه برشوة أو تلاعب.

فرحتي وزفافي هي يوم حصولي على رخصة التّاكسي”، وتعتبرها باب واسعا لحياة جديدة تكون فيه سيّدة نفسها ومعيلة أسرتها ومشغّلها لآخرين.
لا تفارق نظراتها الطريق المزدحم أمامها. ومع إشارة الحريف، تتوقف جانب الطريق في هدوء يحتاج الطّريق إلى مثيله، تهدي حريفها بسمة الثقة، ثم تنساب سيّارتها بين الزحام وتغيب قبل أن تعود إلى والدتها المريضة يستقبلها أبناء إخوتها فتغمرهم بعطف أشبه بعطف الأمومة، الّتي تاهت وسط الزّحام والمسؤوليّة.