فيلم “صراع” يثير “أزمة الثورة” في تونس

 القيروان/ ناجح الزغدودي

تحوّل الشريط السينمائي “صراع” للمخرج التونسي المنصف بربوش إلى حدث يشغل الناس بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم الفكريّة، بعد أن كان مستبعدا من الدورة 25 لأيام قرطاج السينمائية ومنع من العرض في تونس بقرار من وزارة الثقافة التونسيّة  في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

كتب الفيلم المخرج حسين المحنوش ومثّل فيه ممثلون محترفون من تونس على غرار صالح الجدي وحليمة داود ولمياء العمري وهشام رستم وصلاح مصدق وعلي الخميري وحسين المحنوش وثلة من الشباب.

https://www.youtube.com/watch?v=6oj8iCOf5Oc

اعتمد الفيلم أسلوب القصّة المحوريّة ليجسم معاناة معارضي النظام السياسي الذي حكم بين 1987 حتى يوم 14 جانفي 2011 من خلال قصة أستاذ سجين وأفراد عائلته من أم وزوجة وأطفال منهم البنت التي كبرت ولم تر والدها،  وفي أثناء تعذيبه في السجن بسبب تمسكه بمواقفه النضاليّة تعيش أسرته التضييق والاضطهاد والقهر والتعذيب ثمنا لتمسكهم بالحريّة. ثم يكبر لأطفال وتتفجر ثورة الشباب في ثورة 14 جانفي 2014.

منذ منعه وطيلة شهرين قام “صراع” بجولة فرجويّة بين عديد المحافظات التونسيّة يشهد اقبالا قيسايّا في دور السينما والثقافة والمراكز الثقافيّة، ليتلقفه جمهور متعطش للسينما وللحقيقة. وتحوّل عرض الفيلم إلى حدث يشغل الرأي العام ويولّد النقاشات.

جدل ايديولوجي مستمر

في محافظة القيروان (وسط) تعهّدت جمعية مدنيّة مستقلّة تدعى “الشباب يريد”، وهي جمعية مدنية وثقافيّة، باستضافة فيلم “صراع” ومخرجه وبطلي الفيلم صالح الجدي وحليمة داود. وكان ذلك بمناسبة احياء الذكرى الرابعة لثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011 وكذلك ليس ببعيد عن ذكرى أحداث ثورة الخبز في 3 جانفي/كانون الثاني 1983 في زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (الحزب الاشتراكي الدستوري) التي شهدت محافظة القيروان أطوار مؤلمة ومقتل مناضلين وسجن وتعذيب ناشطين من الشباب التلمذي بمعهد المنصورة وسياسيين. وقد تضمن الفيلم مشاهد منها باعتماد أسلوب الومضة الورائيّة لبطل الفيلم نظرا لكونها مرحلة انتقاليّة بين نظامين تمهيدا لطرح النواة القصصيّة للفيلم في فترة حكم التجمع الدستوري الديمقراطي.

فيلم صراع يثر الجدل بعد منعه

فيلم صراع يثر الجدل بعد منعه

قبل العرض قال رئيس الجمعيّة زياد الجهيناوي إنّه يخشى ضعف الإقبال لكن حصل العكس ونفذت التذاكر المخصّصة بقاعة العرض بالمركب الثقافي وسط المدينة. وهو يتسع لما بين 800 و1000 متفرج.

الضجة التي حصلت عند الدخول بسبب الرغبة في الحصول على مقاعد، كانت ملفتة. استطاعت لجنة التنظيم تأطير الجماهير المتدفقة في ظل غياب أعوان الأمن.

انتفاضة في قاعة العرض !

 

وتواصل الضجّة حول الفيلم قبل عرضه داخل قاعة العروض بسبب التراشق بالشعارات والأناشيد بين أنصار “الاتحاد العام التونسي للطلبة” من جهة، وهو نقابة طلابيّة (مستقلّة) أنشأت سنة 1985 وتوصف من قبل منافسيها بكونها ذات توجه يميني. ومن جهة ثانية كانت هناك هتافات لأنصار فصيل الجبهة الشعبيّة الطلابي ذو التوجه اليساري. وهو تجاذب يحاكي الصراع الفكري في الجامعة ولدى الطبقة السياسيّة. ولم تقطعه سوى مشاهد الفيلم التي جمعت معاناة مناضلين سياسيين من اليمين واليسار والنقابيين والحقوقيين داخل الفيلم.

أحدث الفيلم إيقاعات راوحت بين “التصفيق” إعجابا ببعض المضامين خصوصا مواقف الشخصيات المناضلة صلب الفيلم والشخصيات المساعدة، أو تنديدا بمشاهد قاسية من القمع والتعذيب والتنكيل والخيانة. ولم يخف بعض من شاهد الفيلم تأثره وآثار عبراته.

كاد الفيلم يتحوّل الى مسيرة رفعت فيها شعارات ثورية على ايقاع شعارات الثورة التي مثلت أملا مشرقا بعد ظلمة دامت أكثر من عقدين وانفراجا بعد معاناة طويلة. وقد رفع شق من الجمهور شعارات “يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب” وضجت قاعة العرض بشعارات مناهضة لحزب الأغلبيّة الحاكم حاليا على مسوى رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة وهو حزب نداء تونس التي يضم في صفوفه قيادات شاركت في النظام السابق الذي تحدث عنه الفيلم وذكروا أسماء منهم الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي. خصوصا وأن عرض الفيلم كان بمناسبة ذكرى الثورة التونسيّة التي يعتقد كثيرون أنها لم تحقق أهدافها سواء على الصعيد السياسي أو الحقوقي أو الإجتماعي.

هذا ما حصل

الامن متورط في تعذيب السياسيين

“فيلم أعاد لنا زخم الثورة المفقود وإحساسنا بالوطن رغم بعض النقائص المتمثلة في اختصار العديد من الاحداث وعدم الكشف عن العديد من دواليب النظام البائد لكنها تبقى محاولة جيدة جد” يقول محرز القاسمي.

أمّا نور الدين الجهيناوي فتحدث  بصفته سجين سياسي سابق (حركة النهضة) وهو معلّم عاش نفس معاناة الأستاذ في الفيلم خصوصا علاقته بأبنائه وقال الجهيناوي ان ابنته كانت تحتضنه أثناء مشاهدة الفيلم وهي تبكي متأثرة بالمشاهد وتسأله هل حصل معك نفس الشيء”.

الى جانب الشهادات الحيّة التي قدمها بعض الحاضرين عن التعذيب داخل السجون وتأكيدهم أن المعاناة أكبر من ان توصف ويختزله الفيلم، احتج بعض أنصار الأحزاب اليساريّة على تهميش نضالات اليساريين واختزال النضال في شخصيات اسلاميّة. حيث انتقد الشاب عمد بن خود (ناشط سياسي ومدني) ما وصفه بتعمد اسقاط المخرج لنضالات رفاقه في اليسار وما قدموه من شهداء واتهم المخرج بالانحياز.

مخرج “صراع” المنصف بربوش دافع عن فكرته بالقول إنّ الفيلم يتحدّث عن أحداث فرضتها علاقة المحيطين ببطل الفيلم “الأستاذ”. وأنّ جميع الأطراف المكونة للمعارضة السياسيّة كانت حاضرة من يساريين ونقابيين وحقوقيين. لكنه لم يخف انحيازه بالقول “هذه فكرتي وأنا أصوّرها كما أشاء ومن لديه فكرة أخرى فهو حرّ في تقديمها بالشكل الذي يريد”. يقولها بحزم أقرب للغضب.

من أجل حق الإبداع

 المخرج بربوش أفاد لمدونة تكروان  “إن الثورة التونسية ألهمت العالم بالنضال من أجل التحرر والديمقراطية” مضيفا أن “تونس تسير على خطى التمكين وتحقيق أهداف الثورة”. واعتبر الحضور الجماهيري الكبير لمشاهدة الفيلم “خطوة حثيثة من أجل حق التعبير والحرية والفن الراقي”. وقد ندّد بمنع عمله من العرض منذ أشهر بسبب حسابات انتخابيّة معتبرا أنها عمليّة ضد حريّة التعبير والابداع.

من الناحيّة الفنيّة اعتبر زهير وهو مواطن من القيروان أنّ أوّل ما يلاحظ في الفيلم مخالفته لنوعية المواضيع التي طغت على السينما التونسية التي لم تخرج من الحمام ومواضيع الكبت الجنسي. واعتبر أنه فيلم صراع “نظيف” ويسمح بمشاهدته من قبل أفراد العائلة دون حرج. داعيا إلى الى دعم وزارة الثقافة لمثل هذه الأفلام والتخلي عن الارتهان للخارج في دعم الانتاج مقابل مواضيع مسقطة.

عدالة انتقاليّة؟

تعرض فيلم صراع إلى التعذيب داخل السجون، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم. لكن مسار العدالة الانتقاليّة تعطل حسب محمد الهادي المستيري، عضو الجمعية الدوليّة للدفاع عن المساجين السياسيين. وقد حضر العرض نوّاب من البرلمان التونسي عن حركة النهضة ووجهت إليهم دعوات لمواصلة لتفعيل ملف العدالة الانتقاليّة.

معز العيفاوي، سجين سياسي قدم شكاية قضائيّة من أجل محاكمة 10 أعوان أمن اتهمهم بتعذيبه. وقد وجه قاضي التحقيق تهمة التعذيب لهم ووجه لهم استدعاء من أجل الحضور لكن 6 مشتكى بهم فقط من ضمن 10. وهم أعوان امن من رتب مختلفة منهم من احيل على التقاعد ومنهم من يشتغل بمناصب عليا, وقد حضر  المكافحة اطار سامي بوزارة الداخليّة (في العقد السادس)، كان يشتغل بفرقة الشرطة العدليّة بالقيروان خلال ايقاف الشاكي سنة 1992. وقد استمع قاضي التحقيق الى المشتكى به وتم اجراء مكافحة بينهم وبين الشاكي. وأفاد الشاكي انه واجه المشتكى به بالوثائق والشهود الذين سبق لقاضي التحقيق تحرير شهاداتهم.

ويعد الشاكي معز العيفاوي (40 سنة)، أوّل سجين سياسي في القيروان يقدّم شكاية عدليّة ضدّ من يتهمهم بتعذيبه. وينتظر اختتام التحقيقات لإحالة الملف الى دائرة الاتهام بسوسة ثم الرجوع الى الدائرة الجنائيّة بالقيروان.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *