التحركات الارهابيّة في تونس بين هاجس السلاح وجهوزيّة مكافحتها

تونس/ القيروان / ناجح الزغدودي 

شهدت البلاد التونسية خلال الفترة الأخيرة وخصوصاً أثناء فترتي الإنتخابات التشريعية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014 والحملة الإنتخابية الرئاسية 23 نوفبمر/تشرين الثاني، تسارعاً في العمليات المسلحة التي إستهدفت أمن البلاد وقوات الجيش وأدت إلى تسجيل قتلى في صفوف الجيش والأمن والمسلحين منها عملية نبر بولاية الكاف يوم 5 نوفمر/تشرين الثاني 2014.

محافظة القيروان 160 كلم وسط تونس، وهي منطقة عبور بين الشمال والجنوب، تحوّلت نتيجة هذه الاحداث “الإرهابية” في المدن المجاورة، إلى واجهة المواجهات وتتالي أحداث الإيقافات، بلغت ايقاف 33 مفتش عنهم من قبل منطقة حرس حفوز في يوم واحد. وتم في أكثر من مناسبة حجز أسلحة نارية هي عبارة عن بنادق صيد. كما تدخلت فرق مكافحة الارهاب في عمليات تمشيط للمرتفعات والأحياء نتج عنه ايقاف مشتبه بهم في قضايا متصلة بالارهاب.

الحذر من السلاح

هذه الأعمال الارهابيّة وعمليات التفتيش الأمني، أثّرت في نفسيّة المواطن الذي انتابه هاجس تواجد السّلاح والمسلّحين بجهة القيروان فأصبح كثير الحذر، بينما أصبحت القوّات الأمنيّة المنتشرة وسط المدينة والمتمركز عند مداخلها، أكثر استثارة واستجابة لكل نداء أو تحرّكات مسترابة.

سبق لقوّات الأمن في القيروان، منذ 14 جانفي، تنفيذ مداهمات وحجز أسلحة متنوّعة، راوحت بين المسدّس وبنادق الصّيد. ومع ذلك لم يكن هاجس العنف والإجرام والإرهاب، قد تغلغل في نفس المواطنين في ظل ظرف انتقالي غير مستقرّ.

التّوقّي من السّلاح

نفّذت الفرق المتخصّصة في مكافحة الإرهاب عدّة تدخّلات إتّسمت بالدقّة والسّرعة. ومنها عمليّة مداهمة مشتبه بهم متحصّنون داخل جامع بمعتمديّة حفوز، بالقيروان، يشتبه أنّهم على صلة بالمجموعة المتورّطة في مقتل 7 من طلاع الحرس.

TUNISIA-POLITICS-UNREST-SECURITY

وحسب مصدر أمني بالقيروان خير عدم ذكر اسمه، فإنّه أصبحت تسند لهذه الفرق المختصّة كل القضايا المتعلّقة بالإرهاب ويتم نقل ما يتمّ حجزه وإيقافه الى العوينة، من أجل المحافظة على سرّية الأبحاث. ولا يتمّ تشريك الوحدات الأمنيّة بالقيروان، سوى في توفير المعلومات قبل التدخّل وتنظيم عمليّات السير وتهيئة الميدان من النّاحية الأمنيّة.

وأصبحت هناك إجراءات أمنيّة مشدّدة ومراقبة لمداخل المدينة للتّحرّي في موضوع السّلاح الّذي تمّ كشف مخازن له في جهات مجاورة”، وأشار نفس المصدر إلى وجود مراقبة لبعض الأشخاص. نافيا العثور على أسلحة قتاليّة خلال الإيقافات والمداهمات.

وما تمّ حجزه هي بنادق صيد تمّ حجز بعضها اثر استخدامها في عمليّات سطو وعنف. حيث تمّ في أوقات سابقة حجز 19  بندقيّة صيد في حملة أمنيّة واحدة لشرطة النجدة في معتمديّة بوحجلة. كما تمّ حجز بنادق صيد تمّت المتاجرة بها من قبل مواطنين يجلبونها من خارج حدود الوطن ويتراوح سعرها بين 1000 و1500 دينار. وذلك خلال شهر أكتوبر.

أمن

“أنّه لا يمكن تقديم تفاصيل بخصوص هذا الملفّ نظرا لكونه لا يزال بصدد البحث والمراقبة”. كذلك صرّحت مصادر أمنيّة رسميّة وأوضحت أنّ جميع التّدخّلات لم تفض إلى حجز أسلحة قتاليّة، وهذا بخلاف ما تمّ تداوله على مستوى الشارع في القيروان  وصفحات التّواصل الإجتماعي، في شكل مخاوف وهواجس مجانبة للحقيقة. وحسب مسؤول أمني فإنّ ما يستشعره “الحدس الأمني” هو وجود “آثار لسلاح مخفي” وهي بصدد التحرّي بشأنه.

تأهّب وإستخبارات

“نحن نفوق الإرهابيين عدّة وعتاداً”، يوضّح مسؤول أمني في سياق الحديث عن سعي المسلّحين لضرب الأمن ثم الانتقال إلى ضرب المواطنين بهدف زعزعة الأمن. وأوضح أنّ قوّات الأمن أصبحت بعد الصدمات، والإغتيالات، أكثر تأهّبا وجاهزيّة. وهي تقوم بدور الهجوم بدل الدّفاع، بشكل مكّن من إفشال مخطّطات إرهابية خارج القيروان ومنع دخولها. وذلك في إطار “التّوقّي من الإرهاب”، حسب تعبيره.

كما تحدّث المسؤول الأمني عن مشكل “المعلومة”، الّتي يحتاج إليها عون الأمن ليحمي المواطنين. وأشار إلى مشكل البلاغات العشوائيّة غير الدّقيقة مثل التبليغ عن صيّادين مرخّص لهم، وعن تحرّكات مواطنين في هيئات مُميّزة من حيث اللّباس أو وسيلة التنقّل.

ونبّه إلى تراجع دور “عمدة” المنطقة وما كان يقوم به من تجميع للمعلومة الدقيقة وتزويدها للجهات الأمنيّة، فيما يخصّ الجانب الأمني. ودعا المواطنين إلى التّعاون مع ضرورة الحذر والدقّة.

كما أوضح مسؤول إحدى الفرق الأمنيّة المختصّة، إلى تواصل عمل “الاستعلامات” بشكل عادي، لكن مع التركيز أكثر على قضايا الإرهاب وليس التّحزّب.

التجهيزات

مشكل آخر يؤثّر في نجاعة عمل أعوان الأمن، وهي التجهيزات والمرافق الأساسيّة. وأفاد حيدر طيمومي كاتب عام نقابة للحرس الوطني بالقيروان، أنّ أغلب المقرّات الأمنية متداعية للسقوط وتشكل خطرا على الأعوان والمواطنين فمقر مركز الأمن العمومي للحرس الوطني بمنزل المهيري من معتمدية نصرالله هو بناية من عهد الاستعمار وكانت مخصّصة لمحطة القطار. كما أشار محدثنا أن مقرّ فرقة الأبحاث والتفتيش هي متداعية للسقوط وبها شقوق وتصدعات في السقف. أما مركز شرطة المرور بنفس الجهة يعاني من نقص فادح في التجهيزات وخاصة عدم توفر سيارة إدارية للعمل.

وأضاف الطيمومي أنّ وحدات الأمن تنقصها وسائل نقل، فالسّيّارة الإداريّة التّابعة لمركز الأمن العمومي للحرس الوطني بنصر الله، مُعطبة وتم توجيهها للورشة للتصليح والأعوان يعملون حاليا دون سيارة ونفس الشيء بالنسبة لمركز منزل المهيري سيارته قديمة واغلب الأوقات معطبة.  كما تشكو معظم المراكز من نقص التجهيزات المكتبية ومعداتها قديمة كالإعلامية والمكاتب وحتى الكراسي المخصصة للمواطنين قديمة.

ويطالب الأمنيّون أيضا بتوفير صدريات واقية من الرصاص خصوصا للأعوان الّذين يتمركزون في الطريق العمومي وهم عرضة لأي خطر داهم كما حصل لاعوان الامن الذين كانوا يحرسون منزل وزير الداخليّة لطفي بن جدو.

مواجهات

رغم إستنتاج عدم حجز أو انتشار السّلاح، بولاية القيروان، حسب مصادر رسميّة، ورغم عدم حجز أيّ أسلحة قتاليّة، فإنّ التّوقّي من العنف، من المسائل الّتي تحوّلت إلى أولويّة قصوى تستوجب الحذر واليقظة، كما تستوجب توفّر التجهيزات وتوفّر المعلومة وتعاون المواطن وحذره دون هواجس ومغالطات. وما يلاحظ في الوقت الحاليـ تضامن المواطنين وممثلي المجتمع المدني، التفافهم حول المؤسّسة الأمنيّة، وان كانت له مبرّراته وسياقاته السّياسيّة، فإنّه يعبّر عن استشعار للخطر وللمسؤوليّة.

دعم أوروبي لمكافحة الارهاب

قال مبعوث الاتحاد الاوروبي الخاص لمنطقة الساحل   ميشال ريفيران دي مونتون   خلال لقاء صحفي  عقده خلال شهر سبتمبر/أيلول المنقضي بمقر المفوضية الاوروبية بتونس  ان  الاتحاد يرغب في مساعدة تونس في مجال مكافحة الارهاب وفي ارساء السلم في كامل منطقة الساحل. وأوضح  دي مونتون  أن الامر يتعلق بدعم التعاون بين تونس والاتحاد الاوروبي في المجال الامني من خلال تنظيم دورات تدريبية لفائدة أعوان الامن والحرس الوطني والجيش الوطني وإرسال خبراء وبعثات استشارية لنقل خبراتهم للإدارات التونسية.

كما أكد المسؤول الاوروبي ضرورة وضع استراتيجيات تعاون مشتركة بين مختلف دول المنطقة  لاسيما بلدان المغرب العربى من أجل مكافحة ناجعة للإرهاب وكافة أشكال التهريب التي  تسببت في أضرار كبيرة   وفق تعبيره. ولاحظ أن الاتحاد الاوروبي  الشريك الاقتصادي للعديد من دول الضفة الجنوبية للمتوسط  يرغب في مساعدة هذه البلدان لمكافحة هذه الظواهر بهدف ارساء السلم والأمن في المنطقة.

وأضاف  دي مونتون  أن ضمان الامن والاستقرار في المنطقة يعد شرطا أساسيا للنهوض بالتنمية فى هذه البلدان. وعبر عن سعادته بزيارته الاولى الى تونس واصفا اياها بـ”الايجابية جدا والمثمر”.

من اين يأتي الارهاب

هجوم

توجه تهم الهجمات الارهابية نحو فئة محددة وهي الجمعات الدينية التي توصف بالمتشددة ويطلق عليها كتيبة عقبة ابن نافع. وتحدث معظم الهجمات على مستوى الحدود التونسية الجزائرية التي تنشط بها الجمعات المسلحة وجرت بها عديد الهجمات. في حين تحاول مجموعات اخرى ادخال السلاح عبر الجنوب وتحديدا من القطر الليبي وهو ما يطرح أسئلة كثيرة حول تورط جهات اخرى لم توجه لها تهم دعم الارهاب. علما وان التحركات المسلحة تنشط اكثر ما يكون خلال محطات سياسية محددة مثل الانتخابات.

ناجح الزغدودي