في القيروان حي المنشيّة، بين التهميش والوعود الانتخابيّة.

كتب ناجح الزغدودي  

في حملتها الانتخابية قدمت عديد الاحزاب وعودها منها وعود بتحويل المباني الشعبية الى عمارات. هذه الاحزاب زارت حي المنشية. وهذا تحقيق.

بعد عقود من النسيان وتخبط سكّانه في التهميش التنموي والثقافي، تحوّل هذا الحي الذي يعدّ أكبر حي شعبي بمحافظة القيروان (وسط)  خلال الانتخابات التشريعيّة إلى مسرح للدعاية الانتخابيّة التي انطلقت في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2014 ومازالت متواصلة الى الانتخابات الرئاسيّة. وبين الحاجة إلى الأصوات الانتخابيّة وما فيه من الوعود وحاجة أبناء الحي إلى حلول لمشاكلهم التنمويّة، تبقى الحلقة المفقودة في طور البحث الى ما بعد الانتخابات.
حيّ المنشية هو من أكبر الأحياء الشعبية بمحافظة القيروان وسط تونس. وهو في شكل عمادة بها عديد الأحياء ويقطنها 50 ألف سكان حسب عمدة المنطقة رضا الخماري. الى جانب نسبة النموّ الديمغرافي العالية ونسبة الشباب العالية، وتقدر ب 40 بالمائة في كامل المحافظة. وفي المقابل فإن بنيته الأساسيّة ضعيفة ونسب الفقر به عالية وتغيب عنه عديد المرافق ويعاني من مشاكل بيئيّة وصحّيّة. وهي نماذج قليلة من حالة التهميش التي يئس أهالي القيروان من التحدّث عنها. 

منشية

يمتد الحي ذو المباني العشوائيّة المتلاصقة على مساحة واسعة متاخمة لمدينة القيروان. توجد بالحي المذكور مدرستان ومركز للرعاية الصحيّة الأساسيّة. لا يوجد به نادي طفولة ولا دار شباب ولا سوق بلدي ولا مركز ثقافي. بل لا توجد به مساحة خضراء بعد اقتلاع مساحة خضراء من قبل مواطنين بدعوى أنها تحوّلت الى وكر للمنحرفين. كما يوصف بأنه أصبح مناخا مشجعا على العنف وتجارة المخدرات وكذلك على تنامي التطرّف الديني من قبل الشبان خصوصا. وقد وقعت مواجهات بين أبناء هذا الحي والشرطة في 28 مارس/آذار 2014.

بعد ثورة 14 جانفي/يناير 2011، نشطت بعض الجمعيّات التنمويّة والخيريّة والثقافيّة بهذا الحي ولكن الأنشطة لم تدم طويلا.

في انتخابات 2011 استفادت بعض الأحزاب من أصوات الناخبين بحي المنشيّة وبالأخص حركة النهضة في ظل التقارب حينها بينها وبين التيّار السّلفي. كما استفادت الأحزاب المنبثقة عن حل حزب التجمع الذي ظل حاكما طيلة 23 سنة ولديه أنصار ومكاتب قاعديّة بحي المنشيّة مثل حزب نداء تونس وحزب الإتحاد الوطني الحرّ. وهما الوحيدان اللّذان عوّضا ما كان يعرف ب”شعب” حزب التجمّع المنحلّ.

منذ بدء التحضيرات لانتخابات 2014، التشريعيّة والرئيسيّة، تحوّلت أنظار الأحزاب المترشحة نحو هذا الحي. ووجهت جميعها اهتمامها بهذا الحي السكني. حيث نشطت في البداية عمليّات استقطاب “قادة الرأي” بهذا الحي والناشطين من الشبّان للعمل على جذب وسطاء يجلبون الأصوات. ولم يكن ذلك مجّانيّا حسب شهادة صوتيّة موثقة من بعض المواطنين.

منسية

مخزون انتخابي

في برنامج تلفزي “لمن يجرؤ فقط” على قناة التونسيّة، وجّه سليم الرياحي رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر شكره الى الفتاة رحمة الحسّاني أصيلة حي المنشيّة التي جمعت 4200 تزكية لرئيس الحزب الرياحي. وهي رئيسة المكتب المحلّي لحزب الاتحاد الوطني الحر. وصرّحت انّه كان بمقدورها جمع تزكيات أكبر لو لم تكن الفترة قصيرة. وتقول رحمة إن لحزبها شعبيّة محترمة بهذا الحي الشعبي. علما وأن الحزب أسس في 2011.

زار سليم الرّياحي حي المنشيّة وسط حراسة مشدّدة من قبل حرسه الشخصي وبمساعدة شبّان من ابناء الحي. وقد وعد أبناء الحي بتحويل المباني العشوائيّة والتي في حاجة الى صيانة ومساعدة، بتغييرها بعمارات. وقدّم وعودا كثيرة.

حرص نداء تونس على التغلغل في الحي الشعبي، نجم عنه صراعا بينه وبين الاتحاد الوطني الحر. وبدأ الصراع من خلال استقطاب ثنائي لقيادات المجموعات ولرؤساء المكاتب. وقد تحوّل حي المنشيّة الى ميدان تنافس وصل الى حدّ الخصومات حول استقطاب الشخصيّات البارزة. وفق شهادة المواطن نور الدين كريم وهو موظف شاب من أبناء الحي.

حيث تمكن حزب نداء تونس من جذب أشخاص كانوا قد التحقوا بالاتحاد الوطني الحر بينهم عضو مكتب محلّي، فتح له نداء تونس مكتبا وهو مقاول بناء ويدعى الحبيب الحاجي (50 سنة). كما تمكن حزب الاتحاد الوطني الحرّ من جذب عدد من الشبّان التابعين لقائد مجموعة بحي المنشية وهو تاجر خردة مما تسبب في توتر بين الحزبين. 

وصرّح الحبيب الحاجّي أنّه كُلف بالإشراف على مكتب الاتحاد الوطني الحرّ ثم انسحب منه. وروى أنّ مبرّر انسحابه هو “الوعود التي قدمها سليم الرّياحي رئيس الحزب لسكّان حي المنشيّة. وهو رجل أعمال شاب كان في ليبيا ثم عاد إلى تونس بعد الثورة وكشف عن ثروة ضخمة وأسس حزبا لم يفز في انتخابات المجلس التأسيسي سوى بمقعد واحد من محافظة سليانة شمال غرب تونس.

وأضاف الحاجي، منسّق مكتب نداء تونس بحي المنشيّة الّذي قال انه يدفع معلوم كرائه من ماله الخاص، إنّ يرى في حزب نداء تونس مستقبلا أفضل له ولحي المنشيّة الذي يطالب سكّانه بالتنمية وتوفير لمرافق الأسياسيّة. كما تحدّث الحاجي عن انتشار تجارة المخدرات والخمور وتفشي البطالة والفقر. وقال انه يوجد بهذا الحي 15 ألف عاطل عن العمل ممن لديهم شهائد عليا.

lمنسي

اغراءات ووعود

 أستعملت في استقطاب الأصوات، وسائل الترغيب والإغراء المادي والوعود حسب رضوان الفطانسي رئيس فرع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وأضاف إنّ الوعود التي يقدمها المترشحون هي وعود انتخابيّة. ويشرف الفطناسي على مشروع “نطالبك ونحاسبك” مخصص لمتابعة الوعود الانتخابيّة ومساءلة المترشحين الذين قدّموا وعودا وخصوصا الأحزاب السياسيّة.

لم يكن سليم الرياحي، رجل الأعمال هو فقط من زار حي المنشيّة لأوّل مرّة. فقد حذا حذوه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبيّة، حمّة الهمامي. وقدم في موكب ضخم من المرافقين والحرس الرئاسيّ وزار عديد المنازل التي تعاني من ظروف اجتماعية صعبة. وكانت زيارة الهمّامي هي الأولى والتقطت له صورا وهو يستمع الى بعض الحالات الانسانيّة الصعبة بالحي.

يراوح التنافس بين الهدوء والصخب نتيجة الخصومات. وفي خضم ذلك تحاول حركة النهضة الانتشار عبر أنصارها لكن بشكل هادئ. وقد سبق لبعض الجمعيّات المقرّبة منها العمل داخل الحي. مثل جمعيّة تكافل للإغاثة والتنمية التي تترأسها آمال صوّة المرشحة رقم 4 في قائمة حركة النهضة. وقد يكون ذلك سبب توقف نشاط في هذا الحي وغيره.

نزار خليف ناشط مدني بجمعية أطفال و شباب للتنشيط والمواطنة الفاعلة والثقافة الرقمية، قدّم أنشطة بحي المنشيّة. ويرى أن ما يفعله المترشحون للانتخابات من خلال زيارات حي المنشيّة هو “تقديم وعود من اجل الفوز بأصوات الناخبين”.

نهج بحي المنشية

 لكنّه أشار الى أن بعض المترشحين تم طردهم فيما دفع آخر المال ليتمكّن من الخروج بأمان. موضّحا أنه يتم استغلال حاجة المواطنين بحي المنشية وظروفهم الاجتماعيّة للحصول على اصواتهم مقابل الوعود. ودعا الى ضرورة تحسين الوعي  لدى المواطنين محمّلا المجتمع المدني والإعلام مسؤوليّة ذلك.

 قد اعلنت نتائج الانتخبات وفازت الاحزاب التي وعدت المواطنين. فهل ستفي بوعودها ام انها ستظل هباء منثورا وسط الحم المتناثر هنا وهناك.

* مقال نشر في وكالة الاناضول وفي مواقع عربية

الرابط

http://www.raialyoum.com/?p=169708

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *