مواطنون درجة ثانية من الكرامة بعد الثورة

كتب ناجح الزغدودي من تونس

MARفي مدينة القيروان وفي عديد الأماكن العمومية، يلاحظ المواطنون وزوار المدينة وجود مواطنين في أوضاع غير إنسانية: على الرصيف يفترشون الأرض ويتلحفون السماء أولئك هم المشردون. يلتمسون طعامهم من الطريق لا رعاية ولا متابعة ولا تغطية اجتماعية، مسنون من النساء والرجال.

نظرات بين العطف والشفقة ومساعدات تجود بها بعض الأيدي. مساعدة ظرفية قد تساعد على تجاوز حاجات ظرفية لكنها لا تفي بالغرض. فاقدون للسند والرعاية الاجتماعية والصحية، بعضهم يستعطف الناس لقمة وبعضهم يهيم على وجهه على غير هدى كمن فقد عقلهم. ولعل بعضهم هو كذلك.

قرب إدارة الكهرباء بالقيروان، لفت انتباهنا شيخ مقعد كدست من حوله أدباش وهو لا يحمل من الملابس أي خرقة وبقربه كرسيه المتحرك والناس من حوله يسألونه عن هويته وعن أسرته فيجيب بتمتمات غير مفهومة.

مشرد

مثل هذا المسن المشرد كثر شاهدهم المواطن وعطف عليهم وبعضهم التقط له صورا. وهؤلاء ينتشرون أمام المؤسسات العمومية وأمام المساجد منهم من يتسول ومنهم من هو هائم على وجهه يحمل على ظهره هموم الحياة في شكل كيس مليء بالملابس ومما جمعت يديه بشكل أشبه ب«سيزيف» الأسطورة الذي يحمل على ظهره حجرا. ويحمل بعضهم كتبا ويمشي حافي القدمين بين المقاهي والأسواق. منهم من يضايق الناس ومنهم من يثير عطفهم فيساعدونه.

وتنتشر في شوارع القيروان حالات من البشر يهيمون على وجوههم حفاة يتجولون بين المقاهي يستجدون الناس عطفهم. ومن بين هذه الحالة، تلك المرأة التي تداولت صورتها مواقع التواصل الاجتماعي. نشرتها شخصيّا وتفاعل معها الناس بشكل متفاوت بين الشفقة والقسوة. كانت تنام أمام المستشفى لساعات. أخبر رواد موقع الفيسبوك في تعاليقهم أن لديها أسرة وأنها تتعمد الهرب من أسرتها وتبيت في الشارع وتهيم على وجهها. ربما تحتاج الى رعاية صحّية أو رعاية خاصة.

وقرب جامع الفتح بالعاصمة، افترش مسن حشية على الأرض واستغرق في نومه بعد جهد من التجوال بحثا عن لقمة العيش. سبيل هؤلاء في الحصول على القوت هو التسوّل.

ظروف قاسية قد تكون ألقت بهم في متاهة الحياة. أغلبهم يواجهون ظروفا صحية صعبة على المستوى الذهني والنفسي. ورغم أنهم لا يشكلون خطرا على الناس في الغالب، إلا أنه وجب توفير الإحاطة الاجتماعية لهم والرعاية الصحية.

هذه الظاهرة تفاقمت في القيروان ووجب على المجتمع المدني والسلط الجهوية التدخل لحمايتهم. بقيت مسألة أطفال الشوارع التي يجب إيلاؤها الاهتمام اللازم من قبل مندوبية حماية الطفولة لأن الظاهرة تتفاقم وهؤلاء احترفوا التسول ويتم استغلالهم من قبل أطراف خفية تحركهم ثم تسلبهم كرامتهم. ووجب على المؤسسات الحكومية التدخل لرعايتهم سواء عبر إدارة الشؤون الاجتماعية أو إدارة الصحة أو مركز رعاية المسنين أو الجمعيات الأخرى.  .

غياب مراكز الايواء

LOU

ما قبل ثورة 14 جانفي 2014،  كانت هناك في محافظة القيروان، لجنة جهوية مكلفة بمكافحة التسول والتشرد مشتركة بين الشؤون الاجتماعية والأمن حيث يقومون بحملة ويتدخلون لمساعدة الحالات التي تتطلب مساعدة وبين أنه بعد الثورة لم تعد هناك أية حملات لمكافحة التشرد. وقال أنه كان يتم التنسيق مع مركز رعاية المسنين ويتم إيواء فاقدي السند من بين المشردين. وقال المسؤول أن عددهم اليوم أصبح كبيرا ومركز رعاية المسنين يحتاج إلى توسعة. وأكد أن الحل يكمن في إحداث مركز لإيواء المشردين وخصوصا منهم المعوقون وتوفير المختصين بالرعاية. وبخصوص الأطفال المتسولين فقد بين أن معظمهم يأتي من خارج ولاية القيروان ودعا إلى التصدي للظاهرة والا ستستفحل. وأشار إلى وجود مركز الطفولة بحفوز الذي يتم التعامل معه بالتنسيق مع مندوب حماية الطفولة.

هي ظاهرة استفحلت نتيجة قسوة الحياة وسرعة النمط الاقتصادي وتوحش الرأسمالية. لكن لا شك أن الأبعاد الانسانية وروح التآزر مازالت متوفرة في الناس لكنها لا تخلو من الشفقة.

وفي تونس التي عرفت ربيعا عربيا تحت مسمى الثورة، ثورة الكرامة، وجب على مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع المدني أن تتدخل للمساعدة عبر الاحاطة والتأهيل ولم لا الاقامة والتكفل بالايواء والاعاشة والتنسيق مع عائلاتهم والجهات الاجتماعية والقضائيّة.

حتى لا تهان كرامة الانسان وحتى لا يضطر المضطربون نفسيا والمعوزن الى بسط اليد بالتسوّل، وجد حفظ كرامتهم وتوفير موارد رزق قارة ورعايتهم صحيا واجتماعيّا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *