هلوسة رئيس عميل وانتظارات شعب مخدوع

كتب ناجح الزغدودي

لا تصدق أحلام اليقظة ووعود الانتخابات

صحيح أنّ الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة في تونس ما بعد 14 جانفي 2011، تاريخ الثورة، كلفت الشعب التونسي ملايين الدولارات، ولكن نحمد الله أنّها تمّت بخير وعلى أحسن حال.

أفضل ما فيها 3 أركان ايجابيّة أوّلها أنها نقلت تونس الى شاطئ الاستقرار بعد مرحلة لا اضطراب لاطمتها الامواج والإرهاب والتشويش. ونحمد الله ان الارهاب قد توقّف بعد الانتخابات كأن الانتخابات هي قربانه. والركن الثاني أن الانتخابات تمّت في أمن غير مسبوق وفي شفافيّة ودون مال سياسي فاسد ولا انحياز اعلامي. وأنا شاهد على ذلك هذا اليوم.

إن تونس تقدّم درسا نموذجيّا في الديمراطيّة وفي الشرعيّة واحترام الدستور وهو أعلى سلطة في البلاد. ولا بأس ان كان قد تكلّف هو الآخر ملايين الدولارات ذهبت الى جيوب نوّاب جلّهم متغيّبون. لا بأس كلّه يهون ويخلف في سبيل استقرار تونس.

أمّا الأمران العجيبان اللّذين أذهلا العالم المتخبط في الدكتاتوريّة ولقنه درسا بما فيها الأمم المتحدة التي  ترعى الدستور والانتخابات، وتهمل المضطهدين في العالم ومنهم ابناء غزّة، فأوّلهما عدم تدخّل أيّ جهة أجنبيّة في الشؤون الداخليّة. وكان ذلك بفضل موقف رئيس الوزراء التكنوقراط مهدي جمعة الذي رفض صفقات كثيرة ومنها صفقات الطائرات والقروض ومنها قروض مجحفة.

وقد أتم التكنوقراط المفدّى مزاياه بسد الذرائع أمام الاعتراضات على الانتخابات وقد قبل كل الفراق بنتائج الانتخابات التي فاز في رئيس حزب السلحفاة للتنمية والكرامة المستدامة بجميع مقاعد البرلمان وبرئاسة قصر قرطاج.

انتهت الانتخابات وأعلن عن النتائج.

 

وتأتي مفاجأة من المفاجآت التي يخرج بها علينا ابطال مسلسلات الأنظمة التي لا ترى فيها النور ولا يحق لغير الدكتاتور أن يترشح وينافس ظلّة الأعوج.

رئيس حزب السلحفاة هذا ليس سوى أنا هو. نعم لا تستغرب أنا ضمير “هو”. فقد دفعتني الغيرة على البلد الذي رأيته بعين دامعة وهو يتخبّط في الارهاب لانتشله من المجهول.

هكذا حدثتني نفسي وقلت ان هذا البلد لا يحتاج الى خبز ولا الى تنمية بشرية ولا حجريّة وانما الى محاربة الارهاب. ولا بأس ان زرعته أنه ثم حاربته…هل تريدونني أن أظل عاطلا فاشلا دوما.

ها قد نجحت. فلقد أمسكت بزمام المبادرة وعزمت الترشح رغم أنّه لم يكن يعرفني أيّ شخص. فلم يكن لديّ حساب فيسبوك ولا حساب بنكي. كان لديّ فقط حساب لدى القصاب ومحل المواد الغذائيّة وقد صبر عليّ طويلا. وعندما فزت في الانتخابات جاء يطالبني بالدين فأخبرته أنني رئيس دولة متطوّع. وهذا واجبي تجاه بلدي التي اعطتني منذ نعومة أظفاري وعلمتني وشغلتني ثم إن شعبها وهبني جائزتين، الأولى جائزة الثورة ثم انتخبي بالإجماع.

هذه نفسي الطيّبة تحاور الشعب الطيّب.

لم أطلع على الدستور الجديد ولم أعرف الفارق بينه وبين الدستور الجديد. فقد وضعت الكتابين أمامي وتاه عقلي الأمّي وسط الخطوط والأحرف والأشكال. وحار أمر أبنائي وهم يحاولون معي عبثا تعليمي الفرق بينهما. وكان نفس الأمر مع الانترنيت التي لم يستوعبها عقلي الذي تعوّد بالمقهى والتلهي بالقيل والقال.

جميع مقاهي البلد تعرفني. فأنا لم أشتغل يوم واحدا. ولا تسألني عن مصاريف الزواج من أين أتيت بها ونفقات الأسرة من أين أجلبها. وفي الحقيقة ما أعرفه يقينا مسلما كيقين العجائز أن رزق الأسرة ليس بيديّ وانما بيد خالقهم وهو أقدر على تلبية مطالبهم الكثيرة خصوصا بعد ارتفاع الأسعار.

تصوّروا عاطلا عن العمل يصبح رئيس دولة. صحيح رأينا معتمدين ولكن وزراء وولاة، المعجزة لم تتحقق سوى معي.

هذه وعودي

“بمجرّد استلامي للسلطة سأخفض الأسعار الى الثلثين. وسأقلص من معاملات النقود لتصبح بالمبادلة خدمة بخدمة وبضاعة ببضاعة. ولا اتحدث عن العلاج المجاني لأنني سأقضي على المرض والشيخوخة وحتى الزكام.

 أنا محظوظ فقد أصبحت رئيس جمهوريّة. أنا أؤمن بالحظ والخطأ المطبعي وانا منتظر من يوقظني ليكون انني أحلم ولكن لم يأت الي أحد.

خارج هذا النص أنا لا أطمح لأي سلطة ولكنه هوس نفسي الأمارة بالسوء.

أنا الآن رئيس لم يدخل القصر بعد. جلسائي في المقهى هم من قام بالحملة الدعائيّة. زاروا كل الأماكن تقريبا في حملة التحسيس بالتسجيل ثم اتفقوا مع الأهالي أن ينتخبونني عضوا للهيئة الفرعيّة للانتخابات.

ابني يسري رفض في البداية حمل حقيبتى خشية أن يوصم بعد الانتخابات وفشلي المتوقع بشكل مدوّي. لكنه عندما تعجّل الالتحاق بأصدقائه في المقهى، وافق على مرافقتي لبعض الوقت مقابل مصروف قطعته عنه بسبب عدم تركه المقهى وكانت حجته أنه لا توجد لديه أي فرصة عمل لأنني أنا أبوه وجه النحس (أنا وهو) وأنه ينتظر حل أزمة البطالة ورفع قرار وقف المناظرات في القطاع العمومي. وحدث ولا حرج عن القطاع المتوحش والبورجوازية غير المراعية لطبقة الفقراء، وكانوا أكثر رواّد المقهى السياحي.

من حسن الحظ أنا لم أحضر الجلسات واكتفيت بانتظار الأخبار.

في قرارة نفسي العميقة رفضت الفشل ورفعت التحدي.

تلك ذكريات مريرة أتذكرها فتزيد فرحتي بالنجاح وأنا اتمدد على كرسي قصر قرطاج وغرفة نوم القصر المنمقة وحجرات القصر المزوّقة ومعرض القصر المزخرف الذي علقت بها شواهد وصور شخصيّات خدمت البلاد بشكل من الأشكال. لكن صورة محمد البوعزيزي الذي انفجرت الثورة بانتحاره حرقا، لم أجدها في القصر عندما سألت قيل لي انه تمت ازالتها بمرسوم رئاسي.

لا ليس أنا. أنا لم أبدأ بعد باطلاق المراسيم ولا الريح في القصر.

لابد لي أن اشكر من ناشد ترشحي واعد القائمات ونظم الحملة الدعائيّة على الفيسبوك خصوصا وقد بلغني ان عدد المعجبين زاد عدد الناخبين…هكذا يكذب السياسيون مثلهم مثل مراهقي العشق.

اتصلت بمستشاري الخاص. لم أشأ أن أبقي على مستشاري من سبقني، وكانت غايتي تشغيل اقاربي وأفراد من أصهاري والقاعدة تقول ان الأقربون أولى بقلة المعروف عفوا مالي اصبحت انزلق في الكلام. لا اريد أن انزلق مثل بن جعفر ولا مثل شريف علوي.

الحمد لله أنه معروف ويعرفه الجميع وهو من جنود الخفاء. ولم يعد هناك ما يخيف ابنائهم. لقد قررت القضاء الارهاب وعلى الاوساخ أيضا وعلى السرقة وسرقة الوقت في العمل.

اشتقت الى شرب قهوة في مقهى طقطق صباحا قبل أن يميل الظل ويزاحمنا الرصيف. وقبل ان انطلق الى عملي دافعا تلك الدراجة التي عوضت الدراجة المسروقة. الحمد لله لم تعد هناك سرقة ولست انوي أن أعفو عن أي سجين لا “لص ولا كلاب”.

إنه لأمر يضحك الى درجة الجنون. لقد كنت أقصد بها المزاح عندما قلت اني سأترشح للانتخابات وقد كان ذلك على سبيل التهكم على ’لاف المترشحين، بما فيذلك نواب التأسيسي الموصومين بالفضل،. وكنت اقصد انتخابات صلب هيئة المعطلين عن العمل التي من المنتظر عقد مؤتمرها، ولكن زميل لي لا بد أن اشكره حتى وان كان قاد حملة ضدّى، كان له الفضل في تعريف الناس بي من خلال وشاية مغرضة وقال فيها انني من “الفلول”. لا أنا لا آكل الحمص ولا الفول. ولن أفعل.

ماذا أفعل الآن لا بد ان ألقي خطابا مستعجلا. الناس ينتظرون مني خطابا. لكنني لم أعدم الحيلة وفكرت ان الشعب الذي اعطاني ثقة من بقية المنافسين، لابد انه يثق بي. وقد أشار عليّة المستشار بأن أقول ” السلام عليكم ثم أقول لن يمرّوا” مع قليل من الصمت والتأمّل الجيد في النجوم والحذر من نجوم الظهر. والسقوط في الحفر.

القيروان مدينتي للأسف مليئة بالحفر منها حفر الطريق التي عذبتنا البلدية بتركها ومن حفر حفرها كائدون حاسدون مثبطون.

لقد كنت أوّل رئيس يفعلها. نشرت رقم هاتفي الرئاسي للعموم في كل مكان. ولكن ما راعني هو أنه لم يتصل بي أيّ مواطن. ولم أعرف ان كان حسدا أو رفضا ويمكن أن يكون شعبي قد بلغ من الوعي والنضج الفكري ما يجعله قادرا على التمييز. في الحقيقة كنت أيّام الدراسى أزوّر البطاقات والانتخابات ولعب الورق. وابحث عن حيل سرقة ارصدة شركات الاتصالات. ولم أعد اسرق…

في القصر ألغيت الحراسة المشددة وجعلتها غير دوريّة. فقد بلغ شعبي نضجا فكريا ونسي الاغتيالات والعنف. كما أننا قضينا على الإرهاب ولم يعد لدينا ما يرهبنا. فآخر ارهابي في الشعانبي سلم نفس إثر صدور نتائج الانتخابات وعبر عن موافقته للنتائج وتزكيته لي…لقد هداه الله وتاب على يدي.

ليس عيبا ان أكون فقيرا. ولكن من العيب ان افتقر الى الارادة. لذلك قررت عدم الرد على مكالمات وإرساليات الدول لغريبة. وأولها فرنسا ثم روسيا وأمريكيا. يجب أن نقرر مصيرنا بأنفسنا. وقد وافقني بعض المستشارين ورفض آخرون ومن المرجح ان نقدم شكاية الى الأمم المتحدة بسبب التدخل في شؤون شعبي وارضي وبحري وهوائي…وطعامي وفراشي.

أوغاد اولئك الجواسيس الغدارين

كم هو جميل ذلك الطعام الذي يعده فريق الطباخين في القصر. ولكنه قبل ان احذف عملية التذوق الاحترازي خشية تسميم الرئيس، كان غير لذيذ ولا نكهة فيه. فلا أحد سيفكر في تصفيتي. لقد أجمعوا على اختياري. بل انهم باركوا فوزي واقترحوا المساعدة على تسيير شؤون البلاد. انها معارضة ايجابيّة وفاعلة وبنّاءة. إن هذا لم يحصل في الجنة قبل اخراج آدم منها وحوّاء وابليس.

خطابي الأوّل اهتزت له الشوارع بالتصفيق وبالترحاب. هنيئا لي بهذا الشعب الواعي الحداثي المتفهم…كثير التصفيق قليل الكلام المباح. لم أجد صعوبة في تعيين رئيس الحكومة. فقد اخترته رجل ابداع وفكر ولكنه لم يجد شغلا أيضا. وهو من حزب السلحفاة…وأخشى ان يكون تمساحا.

ما فهمته أن سبب نجاح حزبنا، حزب “السلحفاة للتنمية والكرامة المستدامة” هو بسبب دعم المعطلين عن العمل. فقد تبين ان مليون عاطل عن العمل صوتوا لقائماتنا. وذلك بسبب برنامجنا الانتخابي الذي لم يتضمن سوى كلمة واحدة وهي أننا سنكون متطوعين لخدمة البلد. وصدّقنا الشعب وأعطانا ثقته.

فجأة ارتفع مؤشر النموّ الاقتصادي وانهالت علينا عروض الاستثمار في المناطق الداخليّة. واقترحت ايطاليا احداث مطار في القيروان. وشرعت اليابان في احداث سكة حديدية. وتكفل الاتحاد الاوروبي بالطريق السيارة من تونس الى قفصة. وشبع الجائعون وشفي المرضى…زغردن زغردن…

رجال الاعمال الفاسدين أعلنوا توبتهم وقرروا إرجاع المال لخزينة الدولة. وقد اعلمني محافظ البنك التونسي انه تم خلاص الديون الخارجيّة وسرني بالقول ان الدينار التونسي صعد لأعلى مستوياته ليصبح خمسة أضعاف الأورو الأوروبي.

وكانت سعادتي غامرة وأن ارى جميع الشباب المتخرجين في المصانع والشركات الاجنبية والتونسية التي أحدثت سريعا.

أمام هذا الرفاه وحسن التسيير، اراجع نفسي هل كنت أن السبب في تنمية وتحسن واقع هذا البلاد وخصوصا استسلام آخر ارهابي في الشعانبي واعلانه توبته.

ماذا لو لم أترشح أنا…الجميع يحب السلطة ويتهم غيره بأنه يحب السلطة. مثل حب المال والبنين.

عاش شعبي يف الحلم والرفاه. هنيئا له.

لكن ماذا لو يعلم شعبي أنني كذبت في كل شيء. فأنا جاسوس. وأنا عميل وأنا ماسوني وأنا صنيعة غيري.

هل أقول لهم أنا لست أنا

هل أصارحهم القول أنني ضابط مخابرات جندوني الصهاينة ومولوا حملتي الانتخابية وسحروا الناس بالترهيب والترغيب. وأنهم نوموهم مغناطيسيّا ووضعوا في الماء الذي نزعم انه صالح للشرب، منوما وفيروس مانع للخصوبة لدى الرجال.

أين الرجال؟

هل أقول لهم انني بعتها واشتريت بثمنها خمرا وزبيبا للسهرة. هل اقول لهم بعت تونس وخنتها وخنت الأمانة وزورت الانتخابات ودلس جوازرات السفر وسلمت جوازات للمخلوع واسرته. هل اقول لهم انني ساعدت على سرقة الذهب من البنك المركزي وأنني جمعت آثار القيروان منها كروسة سيدي الصحبي والنقود الذهبيّة من سيدي الدهماني.

هل أقول لهم انكم شعب مغفل… اعطيتم ثقتكم العمياء

هل اقول لكم انكم دوما مخدوعون ولا تتعلمون الدروس وتبحثون عن الزعامات.

نفسي الامارة بالسوء تلوم نفسي الطيبة….صراع…

هل أنصحهم على الاقل بان لا يأكلوا الخبز لان السميد مستورد من اسرائيل. وأن ما يلبسون هو م نسيج من خيوط الشمس. وأن ما يشربون ليس سوى ذرات مصطنعة من الهيدروجين والاكسيجين. هل اعلمهم ان بيوتهم التي يسكنون اهون من بيت العنكبوت. هل أصدهم القول انني زرعت ميليشيات في الشعانبي وكل مكان ليبثوا الرعب. هل اصارحهم ان مقتل الجنود والامنيين في الشعانبي هي قرابين من اجل الكرسي..

رأسي…دوار…نفسي…خواء وخوار…

ليتك يا شعبي كنت يقظا ليست لم تنم ولم تشرب المخدر.

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *